رغم التحذيرات من خطورة دفع الفدية للإرهابيين لتحرير الرهائن من أنياب الجماعات الدموية، مازال الجنوح لضغط الجماعات الإرهابية مستمرا مما سمح بتغذية نشاط الإرهابيين في عدة مناطق من العالم أي في القارة الإفريقية والمنطقة العربية على وجه الخصوص، وأسفر هذا النهج الخاطئ عن مضاعفة النشاط الإجرامي بمنطقة الساحل الإفريقي، مما شجع على اقتناء وتدفق الأسلحة ومن ثم تجنيد المزيد من العناصر في مناطق هشة ينتشر فيها الفقر والأمية، فصارت عمليات التمشيط وتطهير معاقل الجماعات الإرهابية لا يعثر فيها على ذخيرة الأسلحة وحدها بل على الأموال الطائلة بالعملة الصعبة وهذا ما يجعل من إستراتجية تجفيف منابع الإرهاب ومنع تفريخه بالمستحيلة في ظل تجاهل سياسة تأمين إطلاق سراح الرهائن بعيدا عن الابتزاز.
لم تتمكن اللائحة الأممية التي تجرم دفع الفدية، والصادرة في عام 2014 من منع حتى دول متقدمة وأطراف نافذة سياسيا تتمتع بالثراء الفاحش من إقناعهم أن دفع الفدية لتحرير من خطفوا، يعد مسارا خطيرا يفضي إلى تدفق المزيد من الجماعات الإرهابية وتصعيد في ارتكاب المزيد من العمليات الإجرامية في حق الأبرياء، ولم ينفع توقيع زعماء مجموعة السبعة تعهدا التزموا فيه بعدم دفع الفدية للجماعات الإرهابية سنة 2013، والاخطر من كل ذلك أن بعض الدول التي تتفاوض مع الإرهابيين عبر وسطاء لا تكشف علنا عن تلك العملية التي تعد بمثابة مرض خبيث كلما استأصلت ورمه من الجسد عاد من جديد ليلتهم أجزاء أخرى.
القارة السمراء بدورها عانت ولا تزال تعاني من ويلات بطش إرهاب «داعش» و»بوكو حرام» وتفقد الكثير من أبنائها، آخرها عمليات اختطاف مرعبة لطلبة وطالبات بنيجيريا، وتصاعدت في هذه القارة عمليات الاختطاف بشكل مقلق بات ينذر بتفاقم الأخطار، علما أن 7 دول تقع جنوب الصحراء الكبرى، ويتعلق الأمر بكل من بوركينا فاسو وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والنيجر والكاميرون وأثيوبيا، يحدق بها خطر الإرهاب في وقت تركز هذه الجماعات الإجرامية على البحث عن مصدر بقائها حية، عبر تمويل يأتي من خلال عمليات تفاوض معقدة تتم في غالب الأحيان سرا، هذا ما جعل «تنظيم داعش» الارهابي ينجذب لخصوبة المنطقة من حيث البيئة الفقيرة المهمشة، ومع قلة إمكانيات مكافحته وترحل أعداد معتبرة منه إلى منطقة الساحل وجنوب آسيا، قادمة من الشرق الأوسط.
منذ البداية رفضت الجزائر التي لديها خبرة رائدة وتجربة محنكة وناجحة في مكافحة الإرهاب، «الفدية»، وأدركت بأنه «فخ» نصبته الجماعات الإرهابية ومن يقف وراءها، لتستمر في الوجود زمنيا، وبالمقابل لم تدخر أي معلومة أو جهد حيث رافعت مطولا في أروقة الأمم المتحدة حتى يرى قرار أممي يدين دفع الفدية النور، وينبغي أن يفعل هذا الأخير باستمرار، من أجل الحديث عن إمكانية نجاح حرب حقيقية تجتث جذور الآلة الإرهابية حيثما تواجدت.