الروابط المتينة بين الجزائر ومالي تشكل أرضية صلبة لنموذج سليم في حسن الجوار والتعاون جنوب جنوب، منه تستلهم الدروس في مواجهة المصير المشترك وحشد الإمكانيات لتجاوز صعوبات وعوائق جانب كبير منها سببه التدخل الأجنبي في منطقة الساحل القائم على اعتبارات جيوسياسية ضيقة.
الحوار والتشاور قيمة في العلاقات بين الدول ينبغي تنميتها وتوسيع نطاقها ضمانا للاستقرار وترسيخا للأمن والسلم، ما يوفر المناخ الإيجابي لإطلاق مشاريع تنمية بإمكانيات متاحة على قلتها، تستوعب انشغالات الشعوب، خاصة في القارة السمراء، حيث لا تزال الموارد الباطنية تستهوي الشركات متعددة الجنسيات، بكل ما يترتب عن ذلك من تهديد للاستقرار، فـ»المصالح» بالمنظور الغربي، لا دين لها ولا هوية.
بطبيعة الحال هذا الرصيد الثمين المشترك بين البلدين ليس وليد ظرف أو نتيجة حسابات، إنما هو مكسب ما فتئ يزداد صلابة وثراء على مر السنين منذ أولى سنوات مقاومة الاحتلال الأجنبي في القارة، خلال القرن الماضي، وتصدّت له الشعوب بتضحيات أسّست لشراكة عريقة تحمل اليوم آمال وتطلعات إفريقيا، من بوابة الساحل والصحراء، حيث تُحاصر الجماعات الإرهابية ويضيق الخناق عليها.
من الجزائر إلى باماكو يختزل الزمن رغم طول المسافة، فالنوايا الصادقة التي تحوم على العمق الاستراتيجي المشترك، تبدّد كل ما من شأنه أن يستهدف جسر التعاون والتنسيق في قضايا تعني البلدين، إدراكا للتحديات القائمة، الأمنية منها والتنموية، تتطلب تعزيز العمل المشترك بأبعاده الشاملة، خاصة الاقتصادية والتجارية، في زمن الأسواق المفتوحة، تمثل فيها إفريقيا أساسا وجهة تنافسية، ينبغي أن تكون الأولوية فيها لبلدان القارة.
لذلك لم يكن توجّه الجزائر إلى إفريقيا مجرد شعار أو رغبة، بقدر ما هو خيار استراتيجي يدمج البلدان المجاورة على غرار مالي في ديناميكية النهوض بالمنطقة جهويا ثم قاريا، ما يفكك مشاريع هدامة لا تزال تراهن عليها قوى محلية ودولية تأبى أن ترى «السمراء» متألقة في عالم يقف على عتبة تحوّلات عميقة حتى تستعيد فيه ثقلها كاملا.