نتذكر جميعا كيف بدأت المأساة السورية، وكيف ضرب إعصار «الربيع الدموي» درّة الشام قبل عشر سنوات وحوّل نهارها إلى ليل حالك، وهدوءها إلى عواصف هوجاء زلزلت أركان الدولة ونسفت وحدة الشعب الذي تفرّق إلى جماعات وطوائف، أصرّت على تنحية النظام ولو بقوّة السلاح، ولم تتوان عن الزجّ بالبلاد في أتون حرب أهلية مدمّرة كانت كلفتها باهظة جدا، سواء تعلّق الأمر بالأرواح التي التهمتها، أو بالخسائر المادية الجسيمة التي سبّبتها، أو بملايين اللاجئين والنازحين الذين يتجرّعون مرارة التيه والتشرد في المنافي والملاجئ.
شهر مارس 2011، كان سيمرّ عاديا على السّوريين لولا أن شرارة جسد البائع التونسي البوعزيزي التي ألهبت الكثير من الشوارع العربية وصلت إلى شوارع سوريا، التي انتفضت تنشد تغيير النظام وتأمل في تنحية الأسد، كما نحى التونسيون زين العابدين بن علي، والمصريون حسني مبارك.
لقد راودت السوريين حينذاك نفس الأحلام المشروعة التي راودت المصريين والتونسيين في التغيير، وخرجوا في احتجاجات انطلقت من درعا تحمل في البداية مطالب اجتماعية صرفة، لكن الوضع سرعان ما تغيّر وسقف المطالب ارتفع ليلامس الإصرار على قطف رأس النظام. ودون مقدّمات وقع المحظور ودوّى صوت الرصاص الذي تحوّل إلى لغة الاتصال الوحيدة بين أبناء الوطن الواحد الذين تفرّقوا وانفرط عقدهم ليحتمي كل فريق بطرف خارجي يزوّده بالسلاح والمرتزقة والإرهابيين، وازدحمت الساحة السورية بزبانية الحرب وتجّار الدم، وفقدت دُرّة الشام بوصلة السلام وضاعت في متاهة نزاع دموي تجلّى مع الأيام أنّه لم يكن عفويا بل على العكس تماما، إذ تأكّد بأن جرّ السوريين إلى الإحتراب الداخلي كان أمرا مقصودا ومبيّتا من جهات مصلحتها تكمن في إضعاف هذه الدولة التي ظلت على مر العقود تشكّل ضلعا متينا من أضلع المقاومة والصمود.
عقد كامل ضيّعه السوريون، يسفكون دماء بعضهم البعض. واليوم بعد أن خفت صوت السلاح وهدأ ضجيج المتحاربين وبدأ غبار المعارك يندثر، ها هي معالم الصورة القاتمة تتضح كاشفة عن خسائر بشرية ومادية فادحة، فقد وصل عدد اللاجئين السوريين حتى جوان 2020، إلى 6.6 ملايين شخص من مجموع السكان البالغ 23 مليون نسمة، عدا النازحين داخلياً والذين وصل عددهم إلى 6.1 ملايين شخص.
أما عن القتلى ورغم غياب بيانات دقيقة، فقد أشارت تقديرات للأمم المتحدة إلى أن عددهم يصل إلى 400 ألف شخص.
اليوم ونحن نقف عند الذكرى 10 لاندلاع الأزمة الدموية في سوريا، ونسجّل نتائجها الكارثية، يحقّ لنا أن نؤكّد بأنّ ما اصطلح على تسميته «ربيعا عربيا» لم يكن في واقع الأمر غير فخّ لتدمير دول بعينها.