الأصل في أي قانون، مراعاة المعطيات الاجتماعية وعدم التنافي مع العادات والتقاليد، لأن القانون ما هو- في آخر المطاف - إلا عرف مكتوب وأي تعارض مع الأعراف لن يجد طريقه إلى التطبيق على أرض الواقع أو يفتح باب التحايل والمراوغات من أجل توظيفه لأغراض سياسوية لا تخدم الغاية التي وجد من أجلها أصلا؟
في قانون الانتخابات السابق، تم فرض إلزامية إشراك التمثيل النسوي في القوائم الانتخابية بـ30 بالمائة، تحت مبرّر ترقية الحضور السياسي للمرأة في المجالس المنتخبة. لكن الذي حصل، وجدنا أنفسنا أمام قوائم انتخابية بدون صور لمترشحات، فضلن الاكتفاء بالإسم فقط لأسباب تتعلق بالعادات والتقاليد، لأن الأحزاب اضطرت إلى ملء القوائم للمشاركة في الانتخابات تطبيقا لشرط (الكوطة)، ما أفرز مجالس منتخبة فاقدة للمصداقية.
التخلي عن شرط المناصفة بين الرجل والمرأة في قانون الانتخابات الجديد في بعض البلديات التي لا يمكنها تحقيقه، تعتبر خطوة على الطريق الصحيح في اتجاه بروز مجالس تمثيلية حقيقية تعكس الإرادة الشعبية. لأن ترقية العمل السياسي للمرأة وحضورها في الحياة السياسية، لا يأتي بقرارات فوقية ولكن بإرادة المرأة نفسها في خوض معترك السياسة. علما أن إشراك المرأة عن طريق الكوطة أو المناصفة من شأنه التخفيف من ظاهرة العزوف الانتخابي. وإن كان ذلك صحيحا إلى حد ما في كبرى المدن، فإنه الظاهرة ستتفاقم في المناطق الداخلية والأرياف، بالنظر إلى معادلات اجتماعية تخص تلك المناطق دون سواها، لهذا يجب أن يراعي أي قانون كان هذه المعطيات.
إن القضاء على الفساد الانتخابي، التزوير وقطع الطريق أمام المال المشبوه، هو ما سيسمح بمشاركة أكبر للمرأة في الحياة السياسية وإقبالها الطوعي الاختياري عليها وليس عبر المناصفة أو غيرها والأمر سيّان بالنسبة للشباب؛ شباب فقد هو الآخر الأمل في خوض غمار السياسة بسبب ممارسات مشبوهة سابقة عمّرت طويلا جعلته يعيش عزوفا مزمنا عن السياسة ومواعيدها الانتخابية كان يرى أنها محسومة مسبقا لأصحاب (الشكارة) والنفوذ واحظ له فيها؟.