في مارس، شهر الشهداء، برز التاريخ مجددا في المشهد، كأنه يطلق معركة أخرى، تندرج في إحياء الذاكرة، يصنعون دوما قيمة لشعب لا يزال مقصرا في حق شهدائه... أسماءٌ ثقيلة، تحملها مرافق وشوارع في العاصمة وكبريات المدن والقرى، لكنها لا تنال حقها كما يجب على ألسنة كثيرين من الناس، تهاونا أو تعوّدا على أسماء أخرى وأحيانا تنكرا.
طيلة سنوات مرّت، مارس فيها مزورو التاريخ وراء البحر طمسا مفضوحا لحقائق، صنعها أبطالنا من جيل نوفمبر، قاومت النسيان فاستعادت مكانتها منتزعة الاعتراف من التاريخ، بعد فتح الأرشيف لتتحرر الحقيقة من الأسر وتخرج تفاصيل تروى للأجيال في ضفتي المتوسط.
أن نسعد لاعتراف الطرف الآخر بجرائم أسلافه أمر جيّد، لكن المطلوب عندنا أن نفي شهداءنا كامل حقهم، بنقل بطولاتهم بفخر، والنطق بأسمائهم باعتزاز في الإشارة إلى شارع أو التعريف بمؤسسة، ودون ذلك يصنّف في خانة جحود شاذ لا يقاس عليه، لأن الواقع في دقائق تفاصيله يؤكد ارتباط شبابنا بخلفه المجيد، رافعا أسماء شهدائنا في سماء الحرية، عنوانا لرابطة الانتماء الأبدي.
ما أعظمها أسماء قاومت النسيان وحققت عدالة التاريخ في عقر بيت دولة الاحتلال، حتى وإن كان اعتراف ماكرون على ما فيه من جرأة قليلا مما هو مطلوب. أسماء يجمعها عنوان الشهيد، ترمز للكبرياء والتواضع، انتزعت مكانتها في الذاكرة الوطنية.
الإقرار بتعذيب واغتيال بومنجل، وقبله أودان وقريبا بن مهيدي، يمهد الطريق لاعتراف يشكل شوكة في حلق من تطاردهم عقدة ذاكرة، فجرت أولى أغلال أرشيفهم، تفوح منه حقائق جرائم ومؤامرات ومناورات خططت لها ونفذتها مصالح «لاصاص» وعساكر العار ممن استباحوا الأرض والإنسان، في لحظة وقف فيها أبطالنا رجالا ونساء بابتسامة (بن مهيدي نموذج فريد) أسقطت عنجهية جنرالات وفككت منظومة احتلال، واليوم تفتح سجلات جرائم حقبة استعمارية.