كان جليا أن ربيع القارة السمراء لن يكون شبيها بخريفها وإن كانت ملامح التغيير قد لاحت في المشهد السياسي للقارة قبل 2021، وبانت دهاليز الأنظمة السياسية بأنها على دراية بمطالب تغيير إيجابي تقوده نُخب سياسية جديدة، تعتمد في ذلك على مبادئ مسار التغيير السلمي.
هذه النخب تسعى لاستبعاد نفوذ القوى الأجنبية المهيمنة على القرار السيادي في بعض الدول، على غرار ما يحدث في مالي والنيجر والسنغال وكوت ديفوار، بما ينبئ بموجة تغيير واسعة في الأشهر القليلة القادمة، انطلاقا من الأحداث الجارية في دول القارة السمراء.
التغيرات الحاصلة تستمد قوتها وتوهجها من عنصر الشباب الطامح إلى التغيير الجذري في الحياة السياسية والاقتصادية، لأنه على دراية تامة بأن القارة السمراء مستقبلها في شبابها، الفئة الأكثر عددا، بحسب مؤشر الأمم المتحدة للتنمية، وهذا ما قد يحدث صراعا بين الحكومات والنخب السياسية الطامحة للتغيير.
بداية التغيير السياسي كانت قد انطلقت من دولة مالي، بعد اشتداد الأزمة السياسية بين السلطة والشعب وتصاعد الاحتجاجات الشعبية الرافضة لتزوير الانتخابات الرئاسية التي أفضت إلى فوز كيتا بولاية ثالثة، واختطاف زعيم المعارضة الراحل سومايلا من طرف جماعات إرهابية.
لكن ما حصل في النيجر كان مختلفا، وأحدث الشعب سابقة في تاريخ البلاد بانتخاب، لأول مرة، رئيس ذي أصول عربية وهو محمد بازوم، رغم أن عرب النيجر لا يمثلون سوى 1 بالمائة من السكان، أمام مرشح المعارضة الذي ينتمي إلى قبيلة تمثل نصف مواطني البلاد، وهو ما يمثل تحولا عميقا داخل المجتمع والمؤسسات في النيجر.
السنغال أيضا، تشهد حراكا اجتماعيا يلقي منذ أيام بحمل المعارضة على النظام السياسي، تزامن مع تدهور الوضع الاقتصادي واستمرار تقديم بعض رموز السلطة الولاء لفرنسا على حساب مصالح الأفراد، وتتجه الأمور إلى التصعيد بعد تسجيل قتلى في صفوف المتظاهرين. في حين تشهد كوت ديفوار انتخابات تشريعية تشارك فيها المعارضة لأول مرة منذ عشر سنوات، ما ينبئ بعهد جديد للقارة السمراء مع بداية الربيع.