لم يكن أحد يتوقع في خضم قسوة الجائحة تعافي أسعار النفط بهذه السرعة القياسية المثيرة، ليلامس عتبة 70 دولارا للبرميل، بل كان مجرد الحديث عن استشراف السوق النفطية قبل سنة شبه مستحيل وصعبا للغاية، بعد انهيار الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، هددت مستقبل الاستثمارات ودفعت «أوبك+» إلى اتباع نهج حذر وتبني تنسيق واسع وعمل استراتيجي.
يمكن وصف المنحنى التصاعدي المتسارع لأسعار النفط بالمفاجأة السارة للمنتجين، بعد معاناة طويلة مع ركود العرض وانحسار الطلب وتدفقات الزيوت الصخرية الأمريكية، لأن التصور الذي كان قائما أن أي انتعاش للطلب وتصحيح الأسعار، يتوقف على مدى سرعة نطاق توزيع اللقاحات واستئناف حركة الطيران. ومع بروز نسخ جديدة من السلالات المتحورة، تراجعت موجة التفاؤل، لكن خطوة إيجابية أخرى من «أوبك» وشركائها عززت الثقة بأسواق هشة عصف بها الفيروس وعبثت بها تخمة المعروض، حيث اتفقت «أوبك+» على عدم الزيادة في الإمدادات لشهر أفريل المقبل، وينتظر تحسن أفضل للطلب، متجاهلا مختلف تداعيات الجائحة.
صحيح أن الظرف مختلف تماما عن نفس الفترة من العام الماضي، فلم يعد الاقتصاد العالمي الذي يسير نحو انفتاح أوسع مكبلا بقيود الغلق، ما جعل المنتجين يأخذون في الحسبان مجموعة عوامل وليس عاملا واحدا، بهدف عودة الاقتصاد العالمي إلى مستويات الرفاهية من خلال تحسن معنويات السوق بفضل قبول وإطلاق برامج اللقاحات وحزم التحفيز الإضافية في الاقتصاديات الكبرى، لكن الحذر في قمة الانتصار مطلوب عبر التحلي باليقظة وتوخي المرونة، لأن ظروف الأسواق قد تغير المسار نحو منعطفات ليست في الحسبان.
رغم انبعاث موجة قوية من التفاؤل رشح تماسك أسعار برنت عند 75 دولارا، في الربع الثاني وقفزها إلى 80 دولارا في الربع الثالث العام الجاري، لكن طموح المنتجين يتجاوز الفقاعة السعرية، وبات يتطلع لبلوغ مستوى قوي ومريح عبر الاستقرار المستدام ونزع غموض مستقبل الصناعة النفطية، في وقت بدأت المؤشرات الإيجابية تتضح تدريجيا ومناعة السوق من خطر التذبذب تترسخ.