في الأزمات تبرز القرارات، تتمّ صياغتها بجرأة ومسؤولية ولكن وفقا لرؤية إستراتيجية تتجاوز الظرف لتشمل مصالح أجيال بكاملها. من هذا المنطلق كانت قرارات تأميم المحروقات نابعة من قناعة ارتكزت على أرضية استمدّت عنفوانها من أدبيات ثورة التحرير المجيدة، عنوانها البارز السيادة الوطنية، منارة الأجيال وقلبها النابض.
نصف قرن يمضي عن تلك الملحمة ولا تزال عجلتها، رغم تداعيات الأزمة متعدّدة الأشكال، تشقّ طريق المستقبل بخوض معارك لا تنتهي، يحسُمها في النهاية الإنسان، بإخلاصه وتفانيه وتضحياته، تجسيدا للعروة الوُثقى التي تربطه بالوطن لا تلين، لا تهتز ولا تساوم.
توالت السنوات، بين مكاسب وإخفاقات، ولا تزال نفس التحديات قائمة تستدعي من شركاء عالم الاقتصاد والشغل التشبُع بنفس القيم التي تحلى بها جيل تأميم المحروقات، في مثل هذا اليوم من 1971 وقبله، الجيل الذي أسّس في 1956 اتحاد العمال الجزائريين، القوّة الضاربة التي هزّت معاقل «الكولون»، أمعنوا في نهب ثروات واستغلال عرق الجزائريين في صور بشعة، ما فتئت الدولة الجزائرية الفتية تُسخّر الموارد المختلفة لإزالتها.
في هذا الإطار، جاءت البرامج والمخططات تواليا، بكل ما شاب بعضها من نقص والبعض الآخر من اختلال، لتضع دعائم تنمية بلغت مدى لا يمكن نكرانه، ولا تزال أُسسها ضاربة في الأرض الطيبة، تحمل علامات مضيئة في أُفق جزائر جديدة، رسم الحراك الأصيل معالمها وفي ظلها انطلق مسار التغيير الهادئ والمتدرج من بوابة المؤسسات الدستورية.
ويتشكل إلى اليوم رصيد تراكمي من الخبرة والالتزام تأكد بنفس الروح، خلال مواجهة وباء كوفيد-19، فلم يمنع عالم المؤسسات يتقدّمها قطاع المحروقات بسواعد وذكاء عماله ومن حولهم كافة النسيج الاقتصادي من الثبات على عقيدة العمل، لتأمين بقاء شعلة النمو، مضيئة مثل شعلة حقول النفط الصامدة في وجه كل الأزمات.