بدأ صوت فرنسا الذي اعتاد ساسة الإليزيه على رفعه داخل مؤسّسات الدولة في مالي يتراجع، كما بدأ يتدحرج موقفها الذي طالما رفعته أمام ساسة النظام السابق لبسط نفوذها، وإقحام أنفها في شأن الشعب المالي الداخلي وكأنّها وصية عليه، مستغلّة لوبيات فاسدة صنعتها منذ استقلال البلد، كما بقيت تتّخذ من الإرهاب فزّاعة لاستمرار تواجدها لنهب ثروات شعوب المنطقة دون ضمير.
سياسة باريس مع مستعمراتها السابقة عامة وبعض دول الساحل خاصة باتت تدرك تماما حجمها الحقيقي مع التغييرات الجذرية الحاصلة في دول المنطقة، هذه التغييرات في مقاليد الحكم الجديد يقودها شباب متشبّع بالوطنية لم يعد يهمّه سوى صون الوطن والارتماء في أحضان الجمهورية الجديدة ينشد أملا حديثا عقب الاطاحة بنظام الرئيس السابق إبراهيم أبوبكر كيتا.
أولى ثمرات التغيير السلمي الناجح في مالي تبدأ مع قرار تأكيد الحكومة الانتقالية تشكيل هيئة وطنية للحوار مع الجماعات المسلحة الناشطة في مالي ودول الجوار، وأعلن الوزير الأول المالي (مختار وان) عن تشكيل الهيئة للدخول في مفاوضات مع من سماهم المتمرّدين، وذلك عقب انعقاد قمة مجموعة دول الساحل الـ 5، الأسبوع المنصرم.
وقال رئيس الحكومة الانتقالية المالية، إنّ الحوار ليس حلا وحيدا، وإنما وسيلة إضافية لنعيد إلى حضن الجمهورية من غادروها لأسباب وجودية بعيدا عن أي تعصب. ويقطع هذا القرار المفاجئ لباريس رغم مفاوضات سرية سبقت إعلان مالي الرسمي الشك باليقين على التحول الجذري في سياسة مالي في ظل حكم السلطة الانتقالية بقيادة الرئيس باه نداو، الذي كان يشغل منصب وزير دفاع سابق.
كما توحي الخطوة ببداية نهاية عهد الوصاية الفرنسية على مالي، بحكم رفض باريس علنيا انتهاج الحوار مع الإرهاب، وسعت لثني السلطات المالية على ذلك، لكنها فشلت في إقناع الرأي العام المالي بنجاح المقاربة العسكرية المنهارة يوما بعد آخر، وهي تسعى إلى سحب قواتها تدريجيا وإقحام جنود دول المنطقة بدل انتهاج مقاربة الحوار التي قد تفضي لا محالة إلى حل ينهي ظاهرة الإرهاب ويسمح ببداية عهد جديد مع أنظمة جديدة تكون مالي قاطرتها في المنطقة قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية مع انتهاء المرحلة الانتقالية.