ينظر بالكثير من الريبة والشك إلى واقعة محاكمة ترامب، على اعتبار أنه لم يخف مسبقا مشاعر التفاؤل ببراءته، بينما فريق دفاعه استعجل كثيرا قرار الحكم وكأن النتيجة كانت محسومة ومعروفة قبل أن يفشل مجلس الشيوخ في تأمين أغلبية الثلثين اللازمة لإدانته بتهمة التحريض على العصيان، في وقت كان معارضو الرئيس السابق يتوّقعون رؤية نهاية حقيقية للمستقبل السياسي «للرئيس السابق» زعيم الجمهوريين، على خلفية خروجه من البيت الأبيض بفضيحة مدوية ضربت مبادئ الديمقراطية التي يتغنى بها العالم الغربي في العمق، وجعلت الأمريكيين حيرى وقلقين على وحدة بلدهم بعد أعمال عنف مرعبة مسّت مؤسسة سيادية.
لم تكن المرة الأولى التي يقف فيها ترامب متهما، ولم تكن كذلك المرة الأولى التي يفتك فيها البراءة وينجو من العقاب، رغم أن أنصاره يرون أن غرمائه من الديمقراطيين، تتصدرهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، من نصبوا له الفخ بعد صبهم للزيت على النار، بهدف الانتقام السياسي ومنع الرئيس السابق من الترشح والعودة مرة أخرى إلى البيت الأبيض. إذن قرار البراءة فرق الكثير من الأمريكيين مرة أخرى، مثلما فرقهم ترامب خلال حكمه بعد أن انقسموا إلى شطرين، بين مثمن للمكسب ومحذر من خطورة القرار، كون أعمال العنف التي تم تحريكها ووقعت يمكنها أن تتكرر مرة أخرى ويفلت الضالعون من العقاب.
التقط ترامب أنفاسه بعد أن تحرر من هواجس نهاية مساره السياسي، وعاد من بعيد أي من دائرة الاتهام إلى موقع المظلوم، فندّد بعد البراءة بالمحاكمة حيث وصفها بأكبر الحملات ذات الدوافع السياسية في التاريخ، وتباين في معركة خفية يخوضها مع الرئيس بايدن الذي بعث برسائل مبطنة وغير مباشرة لشعبه، عندما حذّر بأن الديمقراطية في بلده مهدّدة بالانحراف بعد أن صارت هشّة. وفي نفس الوقت كان يوّجهها إلى منافسه السابق ترامب، عندما التزم بالعمل على نبذ العنف الذي أشعله ترامب، ومسّ بلده المتقدم وشكل صفحة حزينة وغير مشرّفة من التاريخ الأمريكي، وكأنه يقول لترامب لقد نفذت كالشعرة من العجين ولم تتحمل مسؤوليتك الأخلاقية، وفي رسالة أخرى التزم الرئيس الأمريكي الجديد بمحاربة العنف والتصّدي للحرب غير المتحضرة التي يعتقد أن ترامب خاضها ضده تحت غطاء زوبعة من الأكاذيب وتهدّد وحدة صف الأمريكيين.