تزامنت بداية حكم بايدن مع بروز إرادة قوية لإطفاء لهيب بؤر توتر، خلّفها ما يدعى «الربيع العربي» واستمرت جمرتها الخبيثة في ضرب الاستقرار وتهديد الأمن والسلم بعدة بلدان. والبداية جاءت من اقتراب طي الأزمة الليبية بعد أن اعتدى الليبيون إلى طريق المصالحة، وعلى ضوء المطالبة بإخراج المرتزقة وتطهير البلد من الآلة العسكرية الأجنبية، وبالموازاة مع ذلك لاحت بوادر تسوية الأزمة في اليمن قريبة زمنيا من خلال التطورات الأخيرة المسجلة على الصعيد الدبلوماسي وبفضل التحرّك السياسي الأخير، إلى جانب تمسك الشعب المالي بمقاربة السلم والحوار. يبدو أن جميعها مؤشرات باتت تبعث على استشراف انقشاع غيوم الصراعات التي أثيبت بأنها نفق مظلم من دون مخرج.
بدورها تترقب الأزمة السورية تسريع وتيرة الحلول السياسية، وإسكات لغة الحرب واستئصال شأفة التصادم وتوحيد صفوف السوريين، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا التي قصمت ظهرها الحرب وعمق من آلامها التكالب الخارجي، بهدف إجهاض مخططات اقتسام أراضيها ومنع محاولات الأعداء في السيطرة على موضع قدم في حدودها الإستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط، وقراءة العديد من المؤشرات، باتت توحي بأن الدور الدبلوماسي القادم لسوريا، التي تحتاج إلى مصالحة شاملة ووضع أبنائها اليد في اليد لإعادة إصلاح ما دمرته الأطماع الشرسة والمؤامرات المسمومة.
لم تزد الأزمات الأمنية التي اشتعلت في جانب من الوطن العربي الأبرياء، إلا ألما وبؤسا وتشتيتا وضياعا، وتأكد مرة أخرى أن الحلول العسكرية طريقها قصير وحلولها خاطئة وخياراتها غير مجدية، ولطالما دافعت الجزائر عن الحوار وضرورة جلوس الفرقاء إلى طاولة واحدة ومعالجة الخلافات سياسيا وبلغة سلمية بعيدة عن تدخلات الطرف الخارجي. ولعلّ تاريخ الحروب الطويل والمرير في العالم كان يحسم في النهاية بمعادلة متناقضة، أن الرابح في الحرب خاسر لأنها تخلف أزمات إنسانية وثقافية وحضارية وجراح عميقة يصعب أن تندمل في ذاكرة الشعوب الضحية.
فهل تجنح دبلوماسية السلام التي تعود تدريجيا برؤية عادلة فتستعيد المنطقة العربية استقرارها؟.