تبعث المؤشّرات السعرية للسوق النفطية على الكثير من التفاؤل والثقة التي عادت ولو بشكل بطيء إلى مشهد الأسواق التي ضربتها هزّات عنيفة، بداية من الضخ العالي للزيوت الصخرية الأمريكية ثم القيود التي فرضها الوباء وأغلقت على إثرها النشاطات الاقتصادية، وتوقفت حركة الطيران والنشاط السياحي بشكل مخيف، وبعثت الأسابيع الأولى من بداية العام الجديد رسائل طمأنت المنتجين وأبعدت موجة القلق التي ضغطت طيلة العشرة أشهر الماضية على معنويات السوق، مما أدّى إلى تذبذب في الأسعار.
من المبكّر الحديث عن عودة التوازن للعرض والطلب قبل نهاية السداسي الأول من 2021، ليتّضح مدى قدرة سلسلة اللقاحات في محاصرة الفيروس والتغلب على قوة انتشاره، لكن فعلا باقتراب أسعار البرنت من مستويات 60 دولار، متجاهلة السلالات الجديدة للفيروس، يعد في حد ذاته مكسبا مهما، يشجّع «أوبك» على المزيد من الصمود والتماسك والتنسيق التكتيكي، خاصة بعد أن استمدت أسعار النفط القوة بفضل تراجع عملة الدولار الأمريكي الذي في الواقع يرتبط بعلاقة عكسية بأسعار النفط، وفي نفس الوقت استفاد النفط من انتعاش الأسهم الآسيوية، وكذا تراجع مخزون الزيوت النفطية الأمريكية الهاجس الأكبر للمنتجين، في انتظار تحقيق مزيد من التعافي الاقتصادي الذي بدا وشيكا بسبب استحالة العودة إلى قيود الغلق السابقة في الدول المتطورة.
ظاهر أنّ خطط الإنتاج مازالت حبرا على ورق، رغم جميع المستجدّات التي تفتح الشهية، لأنّ الحديث عن مشاريع جديدة يعد مجازفة في بحر أمواجه هائجة، خاصة أن النفط الاحفوري لم يعد وحده المهيمن، مع اقتراب انتهاج أمريكا لسياسة طاقوية جديدة، على خلفية انحيازها بشكل كبير في توجهها الجديد لموارد الطاقة المتجددة علما أنها قامت بإلغاء مشروع ضخم لخطوط أنابيب نقل النفط الكندي الثقيل من ألبرتا إلى المصافي الأمريكية في خليج المكسيك، وهذا ما تسبب في رفع أعباء شركات الوقود الأحفوري سواء الأمريكية أو الكندية.
«أوبك» تراهن على شراكتها المتينة التي مددتها إلى غاية العام المقبل، بهدف تحصين السوق من مفاجآت غير سارة، لكن يبقى مع ذلك الغموض يخيم على مسار ومستقبل المنتجين في ظل الاستعدادات الجدية للعديد من الدول لدخول الأسواق عبر الطاقات المتجددة، فهل تسارع «أوبك» الزمن، لبناء تصورات مشتركة مستعجلة لتحافظ بها على مكانتها في السوق، كمموّن تقليدي يواكب جميع التطورات؟