كلمة العدد

المنعرج الحاسم

سعيد بن عياد
16 ماي 2014

يحضّر وزير المالية محمد جلاب لإطلاق ورشات جديدة لإصلاح تحديث النظام البنكي من أجل إدماجه في ديناميكية المسار الاستثماري الذي بلغ منعرجا حاسما يتطلب حشد كافة الإمكانيات الوطنية واستعمالها بعقلانية في تحقيق الأهداف الحيوية التي تضمن انتقال الاقتصاد الوطني إلى مستوى تنافسي يوفر مناعة للجهاز الإنتاجي بالأخص خارج قطاع المحروقات.  من مدير عام للقرض الشعبي الجزائري، الذي أوكلت إليه ملفات تمويل مشاريع كبرى، إلى وزير منتدب مكلف بالميزانية فوزير للمالية، كلها مؤشرات تدفع للاعتقاد بأن للرجل قدرة على ضخ دم جديد في المنظومة البنكية لتتحول المصارف من مجرد خزائن، إلى طرف فاعل في الديناميكية الاقتصادية والاستثمارية بحيث يواكب المسار الذي رسمته الدولة دون الإخلال بالالتزامات أو التقصير في تسيير المال العام وحمايته. هي إذن، قد تكون بداية تجسيد خيار إدخال إصلاحات عميقة لمنظومة تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني، علما أنه إصلاح لطالما تصدر المشهد الاقتصادي وأسال مدادا غزيرا، دون أن يتقدم كما هو مطلوب ومنتظر من الشركاء بشكل يضع المصارف كلها وبالأخص العمومية في طليعة الساحة الاقتصادية لتكون بمثابة القاطرة التي تجر الاستثمار وتدفع عجلته إلى الأمام ضمن معايير تضمن الشفافية وتحمي المال العام، في وقت تكاد تكون إصلاحات الجيل الأول قد اكتملت بإرساء البنية القاعدية من مرافق وتجهيزات حديثة تتطلب تثمينها بتحريك بطارية إجراءات الجيل الثاني من الإصلاحات التي تقوم على الاحترافية وكفاءة الموارد البشرية، مما يوفر الطاقة والجرأة في تحمل المخاطر، بعيدا عن أي سلوك يعكس مغامرة أو تسيّب. حقيقة، ينبغي للبنوك أن تلعب ضمن المساحة التي تحددها قواعد اللعبة، ليس كمرافق مالي فقط يستجيب لقرارات ظرفية وإنما كشريك اقتصادي يحرص على استكشاف المشاريع والاستثمار فيها بمختلف الصيغ التي يكرسها القانون والتنظيمات، مما يستدعي من الورشات المرتقبة التوصل ضمن نقاش بين المهنيين والمقررين إلى صياغة إستراتيجية جديدة تقودها خارطة طريق واضحة المعالم ودقيقة الأهداف، تسهر على تجسيدها كفاءات بشرية تدرك الرهانات وتقبل رفع التحديات. مثل هذا التوجه يقتضي أن تشرع البنوك والمؤسسات المالية فورا في التحضير للمرحلة الجديدة بتجاوز سلوكات بدائية وتغييرها بأخرى أكثر حيوية بدءا من الشباك القاعدي وصولا إلى التحكم في ملفات القروض والتمويلات الاستثمارية مرورا بترقية العنصر البشري وفقا لمبادئ وشروط حوكمة التسيير بكل ما يعنيه من ضرورة ضخ دم جديد في دواليبها. المفروض أن بنكا مهنيا يعرف بدقة زبائنه من حيث الاحترافية والالتزام بالوفاء، لذلك يطرح سؤال جوهري حول مدى المبادرة من المعنيين بضبط لائحة محيّنة تفرق بين المتعاملين الجادين وغيرهم من الانتهازيين الذين أفسدوا الساحة وشوهوا المشهد الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الغموض والضبابية في الساحة المصرفية، التي تضرب موعدا مع ورشات الإصلاح كمنعرج حاسم، ليس لإعادة إنتاج عملية لا تعدو كونها مجرد ترقيع، أي ضرورة الذهاب إلى عمق الموضوع بكل ما يقتضيه من تسليط لأضواء الشفافية تجعل البنوك بيوتا من زجاج وتقيم الأداء ليقطف كلّ جزاءه، على اعتبار أن البنوك العمومية لا يمكن أن تخضع لعقلية ‘’البايلك’’، خاصة في ظل تأكيد الدولة بمناسبة انعقاد مجلس الوزراء الأخير على وضع مكافحة الفساد واستئصاله وفقا للقانون أولوية جوهرية من أجل تحصين المال العام دون الحد من روح المبادرة ‘’المسؤولة’’ في التعاطي بمرونة مع تمويل الاستثمار المنتج بتدقيق الحساب ومتابعة المشاريع التي يموّلها، ليس من المكاتب ولكن بنزول خبرائها إلى الميدان.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024