لم يسبق أن عرف الاقتصاد العالمي أزمة مزدوجة خانقة بفعل الركود الفادح الناجم عن انهيار أسعار النفط، منذ سنوات متتالية لحقته تداعيات وباء فيروس كورونا، الذي زاد من تعقيد الوضع الذي يتطلع لبريق أمل في استعادة الإمساك بخيوط النمو، خاصة بعد أن لاحت في الأفق بوادر توصّل الصين إلى السيطرة على «كوفيد-19» الفتاك.
الصين بلد الداء قد تكون أيضا بلد الدواء، (هناك حديث عن توصل إلى كبح تمدّد الفيروس) وتتجه إليه أنظار الفاعلين باعتباره مصنع العالم الذي يؤثر في معادلة الإنتاج وتنشيط الطلب، خاصة على المحروقات في وقت سجل فيه البرميل انهيارا غير مسبوق ويقاوم حاليا من أجل تحقيق انتعاش يبعث تفاؤلا في شق الطريق إلى انفراج مرتقب.
في ظل هذه الظروف، التي تصيب الاقتصاد الجزائري بشكل واضح كونه يرتبط عضويا بالمحروقات، التي لم تعد تدر مداخيل كافية تلبي احتياجات تمويل المشاريع وتغطي الطلب المتزايد في مجالات التنمية المختلفة من أجل تعزيز البنية المالية لتفادي السقوط إكراها في خيارات مؤلمة، منها الاستدانة الخارجية وبالأخص اللجوء إلى صندوق النقد الدولي.
مثل هذه الخيارات ينبغي الاحتياط منها والعمل بكل الطرق الممكنة لشطبها من لوحة قيادة الاقتصاد في المديين المتوسط والبعيد، بالرهان على مسار الاعتماد على الإمكانيات الوطنية المبعثرة مادية منها ومالية وبشرية من خلال صياغة نموذج اقتصادي واقعي يلائم الطاقات الإنتاجية المتوفرة على تواضعها، خاصة في قطاعات ناشئة تستوعب التحوّلات الحتمية.
النموذج المطلوب يرتكز على منطلقات بناء منصة صلبة تشريعية، تنظيمية وهيكلية تؤسس للتحوّل الاقتصادي من بوابة الانتقال الطاقوي الذي يفرض نفسه في كل كبوة تصيب قطاع المحروقات ولم يعد الظرف يتحمّل مزيدا من التأخير في إقامة المناخ الذي يعطي نفسا بالحجم المطلوب لديناميكية تحقيق الانطلاقة.
لم يعد الظرف يحتمل اجترار مزيد من البحث والتشخيص بعد أن وصل الأمر في التنظير إلى التخمة وإنما الوقت اليوم للأعمال التطبيقية الملموسة التي تفصل بين المشاريع وتضع روادها على المحك من حيث النجاعة والفعالية مقارنة بمدى العجز الذي يصيب المداخيل بالعملة الصعبة.
لذلك فإن الحرص على حماية احتياطي الصرف، الذي يتحمل ضغوطات تمويل الاقتصاد وتغطية الطلب الاجتماعي، مسألة حيوية تستوجب البحث عن حلول ذكية تقدم النقص المالي حماية للتوازنات الكبرى وتأمين عبور إلى مرحلة أكثر تلتقط فيها المؤسسة الإنتاجية والمستثمر الحقيقي خيط النمو الرفيع، خاصة وأن أزمة «كورونا» كشفت عن بادرة إيجابية لنسيج مؤسساتي فاعل، أبدى فيه رؤساء مؤسسات من القطاعين العام والخاص إرادة للدفاع عن حق البقاء والمشاركة في تنشيط الاستثمار ضمن اقتصاد سوق اجتماعي يكون فيه الإنسان رأس المال الحقيقي.