تفاعلت السلطات العمومية بشكل صارم مع حوادث المرور المرتكبة عبر طرقاتنا، قصد وضع حد لـ «سقوط» الأرواح ضحية أخطاء لا تغتفر صادرة عن سائقين في حالات نفسية سيئة غير مخولين بتاتا لتحمل مسؤولية نقل الأشخاص أو أغراض أخرى عبر الحافلات أو الشاحنات وحتى السيارات.
وهذا التفاعل الفوري حتمية لا مفر منها إذا ما قارنا ذلك بحجم ما يرتكب من مجازر كي لا تترك الأوضاع تزداد ألما على العائلات، ترجم ذلك في قرارات أوّلوية ردعية ريتما يعاد النظر في التشريع الخاص بهذا الجانب، بناءً على تقييم دقيق لكل المنهجية المتبعة في هذا الصدد، أي إحداث توافق منطقي ما بين معادلة الزجر والتحسيس وأيهما يحظى بالأولوية المطلوبة.
لأن هناك أصوات ما تزال ترى بأن الفعل التوعوي قادر على التقليص من أذى الظاهرة، وبالإمكان الاعتماد عليه للحيلولة دون وقوع المزيد من الضحايا غير أنه تبين بأن تأثير هذا العمل محدود ولا يرقى إلى المستوى المطلوب، نظرا لافتقاره إلى عناصر بسيكولوجية قوية لذلك يتطلب الأمر مراجعة الصيغ الراهنة المعمول بها كالمطويات، الوثائق، الكتيبات، وإحلال محلها أفكار محلها أفكار أخرى مبدعة في هذا المجال، لأن كل التجارب السابقة أظهرت أننا ندور في حلقة مفرغة والدليل على ذلك ارتفاع في عدد الوفيات في زمن قياسي لم يحتمله أحد ولا يمكن القبول به أبدا والحل يكمن في ايجاد الحلول السريعة لتوقيف هذه «الجرائم».
في مقابل ذلك هناك دعاة «العقوبات» المتشدّدة الذين يعتبرون بأن الحل يكمن في المساس بجيب المعنيين حتى يستقيموا ويتجنبون تكرار الخطأ المقترف وفي النص القانوني الأخير، سعى المشرّع إلى الرهان على ما يصفه «بأقصى الدرجات» وصلت إلى حد ٤٠٠٠ دينار زائد سحب الرخصة. وهذه الرؤية للأسف أبقت الأوضاع على حالها، إذا ما الحل يا ترى؟.
على غرار ما هو موجود في الترسانة التشريعية فإن السلطات العمومية، أقرت منظومة وقائية مبدئية ذات الطابع الاستعجالي الرامية مباشرة الى احتواء الظاهرة بتفادي تداعياتها والسكوت عنها والأكثر من هذا إدراجها ضمن الأولويات الراهنة للقضاء عليها نهائيا.
وضمن هذا التوّجه المشفوع بالصرامة فإن الإجراءات التنظيمية المتخذة تخاطب الفاعلين المباشرين من مصالح إدارية، والناقلين في الالتزام بالمهام المخوّلة لهم وتحمّل مسؤولياتهم مهما كان الأمر، وهكذا فإن أولى بوادر هذا المسعى تكمن في السحب الفوري لوثائق الاستغلال كإجراء تحفظي والشروع في المراقبة الفجائية عبر شبكة الطرق ودعم المراقبة التقنية للمركبات، إجبار الناقلين على المرافقة بسائق ثان عبر المسافات الطويلة، تفتيش محطات نقل المسافرين، ووضع بطاقية عامة لضمان متابعة للمتسببين في حوادث المرور.
يضاف إلى كل هذا ترتيبات استثنائية أخرى، ستتخذ لاحقا لحمل كل هؤلاء السائقين في الوزنين الثقيل والخفيف على احترام قانون المرور وخاصة الإشارات وعدم التلاعب بأرواح الناس، مع إدخال تغيير جذري على الومضات الإشهارية الحالية ذات المنفعة العامة، التي ذهبت إلى حد استعمال «الدم» و»إبادة عائلة «، وهذا غير مقبول من ناحية مضمون الرسالة المراد إبلاغها للآخر.
في هذا العدد من محليات «الشعب» نسعى رفقة مراسلينا بالجزائر العميقة، إلى تناول زاوية حسّاسة من هذا الملف والمتعلقة أساسا، بـ «النقاط السوداء» في الولايات التي تشهد حوادث خطيرة وحتى قاتلة، في كثير من الأحيان، كما تسبب إزدحاما مروريا مقلقا حقا من الناحية النفسية، مما أدى بالكثير إلى أمراض مزمنة.