توجد قطاعات مريضة، تتفاوت درجة تعبها من قطاع إلى آخر، وقبل علاج هذه العلل يجب تشخيص موطن الداء والكشف عنها، ويستلزم بالضرورة أن تكون أدوات التشخيص كفيلة بوضع يدها على موضع الداء، إما بعلاجه أو استئصاله نهائيا كون الإسعافات الأولية لا تجدي نفعا.
الإدارة، لا تزال غارقة في البيروقراطية والتخلص منها ليس بالأمر السهل، بل يقتضي استئصال المرض من جذوره، وهي الذهنيات المتراكمة نتيجة الممارسات الدخيلة عن الأخلاق وسلوكيات الفرد.
الولوج إلى أي قطاع يصطدم المواطن فيه غالبا بجدران سميكة لا يستطيع النفاذ إلى مطالبه أو غايته بسبب مركزية القرار، وإذا صادف وأن غاب المعني شل العمل وتعطلت مصالح المواطنين.
إن مجرد تحويل تلميذ من مدرسة إلى أخرى في نفس المقاطعة يقتضي إجراءات كثيرة، لا يملك مدير المدرسة المسقبلة أية سلطة في الموافقة من عدمها، كما أن استخراج رخصة بناء مسكن، يقتضي حزمة من الأوراق المتراكمة، وإن حدث وتمت الموافقة، فيأتيك الرد بعد سنة من الانتظار واحتباس الأنفاس وعندما تكتمل حزمة الأوراق نصابها، مضطر للانتظار في طابور، وعندما يصل دورك، يفاجئك العون بأن الوثيقة المعنية غير صالحة، وعليك باستخراج أخرى جديدة، ليعود المواطن أدراجه في رحلة أخرى من التعب والشقاء.
الأمراض كثيرة ومتفشية في المجتمع بشكل يدعو للريبة، والتغيير يكون على مستوى عمودي وأفقيا؛ لأن الفاعل في كل هذه الممارسات هو المواطن، صاحب التصرفات السلبية كانت أم الإيجابية.
ثلاثة دعائم تقوم عليها الإصلاحات القادمة؛ أولها التخلص من ذهنيات الماضي وكل فرد يتحمل مسؤوليته، ثم تفعيل سلطان الجزاء، وأخيرا تشجيع الطاقات الشغيلة والرفع من كرامتها وحفظ عيشها الكريم، ستكون مرهونة بالإصغاء للواقع الجديد، وعلى الشريك الاجتماعي أن يكون حريصا على التوافق والمرافقة لتخطي المرحلة؛ وإعادة الاعتبار لمفهوم المواطن الفاعل في مجتمعه.