خاضت الجزائر عدّة تجارب سابقة أطلقت فيها النّموذج الاقتصادي ليكون رافعة متينة، ترصد الإمكانيات وتستغل مختلف المقدرات لتحرّك عجلة النمو، لكن مختلف الجهود والتّحفيزات والاعفاءات الجبائية، لم تفض إلى تجسيد الأهداف المرجوّة، بل بقي رتم التنمية بطيئا بخطى السّلحفاة، وقابله استفحال لشأفة الفساد وتفشّي ظاهرة تهريب العملة الصعبة بطرق ملتوية وغير قانونية أو تحت ذريعة الاستيراد، ولم يتمكّن القطاع الخاص من تحقيق الانطلاقة المسطّرة بسبب عدة عوامل، هناك من يحدّدها في عراقيل الاستثمار وثقل تدفق قروض المنظومة المالية، وغياب الحكامة والتسسير العصري.
إنّ الإرادة القائمة لاستحداث نموذج اقتصادي، لا تحتاج فقط إلى قوّة التخطيط ودقّة رسم ملامح هذا النموذج، الذي يتجسّد ليس من طرف المتعاملين الاقتصاديّين الخواص والمؤسسات العمومية وحدهم، بل من خلال تهيئة مختلف الأجواء بداية من إرساء جاذبية مناخ الاستثمار، وفتح الأبواب أمام المستثمرين الحقيقيّين وتحيين المنظومة القانونية، والتركيز على الإصلاحات المالية والضريبية في أقرب وقت، وانفتاح الإدارة على استقبال ملفّات المستثمرين، حيث تعالج ملفاتهم بجدية وفي آجال زمنية معقولة، ويمكن للدولة أن ترسّخ ثقافة الاستثمار المنتج، من خلال تعليمات واضحة لتحفيز الاستثمار، ومن ثم مراقبة أدائه، والوقوف على سيرورة تدفّقه، والسّهر على تصحيح مسار بعض مشاريعه التي تواجه صعوبات.
يرتقب أن تخصّص حصة الأسد لاقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، لتكون القلب النّابض للنموذج الاقتصادي الجديد، ومن المفروض تحديد عدد تقريبي للمؤسّسات النّاشطة في مجال التكنولوجيات الجديدة للتشجيع على إقامتها وتكثيف نسيجها، ومن ثم احتضان وتوجيه الشباب حاملي المشاريع، وكذا بناء الجسور مع المتعاملين القادرين على إقناع الشركاء الأجانب القادرين على تحويل تجارب العلم والمعرفة ومستعدين لتكوين اليد العاملة، لتقود مسار النمو بالإنتاج المتنوع والقابل للتصدير في أسواق خارجية. وبالموازاة مع ذلك ينبغي أن تلعب الجامعة والبحث العلمي دورهما، ويعملان إلى جانب المنظومة الاقتصادية في مسار واحد، وفي تكريس الهدف التنموي المشترك.
التّطلّع قائم للكشف عن نموذج اقتصادي مختلف عن المشاريع السّابقة التي بقي الكثير منها على الورق لأنّه اصطدم بصعوبة تجسيده على أرض الواقع، وهذا جاء على لسان وباعتراف بعض أرباب العمل الذين لم يخفوا استياءهم من عدم احترام بنود آخر عقد اقتصادي للنمو، بسبب ما وصفوه ببيروقراطية الإدارة.
إذا النّموذج الاقتصادي الذي ينتظر يتطلّع أن يحمل آليات تجسيده بجديّة في منحى تصاعدي من الفعالية، ويكون نموذجا متطوّرا يستحدث الثّروة ويخلق القيمة المضافة، التي تحرّر الاقتصاد الوطني من قبضة التبعية النفطية.