المساعي السياسية الحميدة للجزائر تجاه الأزمة الأمنية في ليبيا تسير في الاتجاه السليم حاملة معها مخرجات تسوية حكيمة قائمة على مرجعية دائمة يضعها الليبيون فيما بينهم بمرافقة هادئة تقف على مسافة واحدة بين الفرقاء بدعوتهم إلى إيجاد الحل اللائق الذي يبعد شبح الحرب.
هذه القناعة العميقة في التمسك بالتوجه السياسي أصبحت حاليا محل مواقف تبنتها الأطراف القريبة والبعيدة من هذا الملف، التي سارعت إلى حضور كافة اللقاءات الخاصة بهذا البلد وتستمع إلى الآراء المختلفة للاطلاع على حقيقة مايجري من جهة ومن جهة أخرى إعادة تكييف تحاليلهم مع الواقع الراهن.
وعقب كل تلك الاتصالات الثنائية والمتعددة الأطراف، لا يوجد أي خيار آخر ماعدا العمل على ترقية الفعل السياسي في ليبيا وجعله الدافع القوي لدى حفتر أو السراج في أي تحرك لاحقا وهذا ما يسجل في الوقت الحاضر بالرغم من أن الأمر ليس هينا إذا ماراعينا تداعيات خلفية الصراع بين بن غازي وطرابلس والذي استغرق سنوات طويلة فمن الصعوبة بمكان أن يقبل البعض بالبعض الآخر.
ورغم هذا الحاجز النفسي فإن الإخوة الليبيين أدركوا أكثر من أي وقت مضى بأن الحرص الجزائري على إستتباب السلام في ربوع البلد يتطلب أن يحظى بالتأييد الكامل والمساندة المطلقة وهذا أولا من باب حقن الدماء..
وثانيا البحث على مخرج لائق أو يليق بالجميع وهذا عن طريق التفاهمات السياسية التي لا بديل عنها بدليل أن الإفراط في استعمال القوة أخّر أو بالأحرى عطل أي مبادرة صادقة تنشط في اتجاه الحل.
ومما زاد تعلق الليبيين بالمساعي السياسية الحميدة للجزائر هو قبولهم الدعوة المتعلقة بالحوار الليبي ـ الليبي المزمع أن تنظم في بلدنا ريثما يتم استيفاء شروط ذلك وأولى مؤشرات هذا الاجتماع مشجعة بعد أن أبدت العديد من الفعاليات استعدادها للمشاركة إيمانا منها بالمساهمة الضرورية لإستتباب الأمن في كامل تراب القطر الليبي.
وسيكون موعد الجزائر فرصة تاريخية بالنسبة لجميع الليبيين في العمل الجاد لتوحيد البلد من أقصاه إلى أقصاه وعدم الإبقاء على منطق التقسيم المسجل حاليا بين طرابلس وبن غازي حتى وإن كان يبدو للبعض بعيد المنال فإن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة وما يؤكد هذه الإرادة هو هذا التفاعل الحيوي للمكونات الليبية مع المبادرة الجزائرية وإصرارهم على الحضور لإبداء وجهة نظرهم حيال مايحدث في بلدهم وعرض اقتراحاتهم لإنهاء الخلافات بين حفتر والسراج ودخول ليبيا عهدا جديدا من السلام، الوئام والمصالحة بين أبناء الشعب الواحد وهذا مايأمله جميع أحرار هذا البلد.
وبالرغم من أبعاد التدويل التي شهدتها المسألة الليبية خلال السنوات الماضية فإن أبناء هذا الوطن قادرون على رفع التحدي كون مفاتيح الحل في أيديهم شريطة التحرك باتجاه إبعاد المقاتلين الأجانب ووضع حد لإرسال السلاح وهذه رسائل غير مشفرة وردت واضحة المعالم في نتائج اجتماع برلين، ولقاء دول الجوار المنعقد بالجزائر.
لذلك فإن المطلوب من كافة الأطراف المعنية بالملف الليبي، العمل السريع من أجل إعادة الأمن إلى كامل تراب هذا البلد بوضع آليات صارمة لاسترجاع هيبة الدولة والقضاء على ظاهرة فوضى السلاح المنتشر بطريقة غير قانونية.