منح الشّقيقة تونس وديعة بقيمة 150 مليون دولار توضع في البنك المركزي التونسي كضمان، خلّف الكثير من التّعليقات والمغالطات التي أريد بها باطل، لا أكثر، فهناك من لا يفرّق بين الهبة والوديعة، فإذا كانت الأولى عبارة عن منحة، تمنح دون انتظار ردّ على ذلك، مصداقا لقوله تعالى: ﴿إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا﴾، فإنّ الثانية أي الوديعة عكس ذلك تماما؛ بمعنى أنّ المبلغ يودع في بنك؛ وهو ضمان لأداء التزام ما تجاه جهة ثالثة؛ والأرباح تكون من نصيب دولة تونس؛ ويعتبر قيمة ضمان يمهّد لقرض جديد ستستفيد منه تونس من طرف ثالث، حيث تلعب الضّمانة الجزائرية دورا مهما لتسهيل حصول تونس على القرض.
وإذا كنّا نقتسم مع تونس التاريخ والجغرافيا، فإنّ العلاقات الاجتماعية بين الشعبين قوية جدا؛ تجاوزت القرابة العائلية والمصاهرة؛ بل تعدّت إلى أكثر من ذلك؛ حتى أنّ دماء شهداء البلدين امتزجت.
مررنا بأزمات سابقة، ولم نجد غير صندوق النقد الدولي خيارا؛ لجأنا إليه قصد الاقتراض؛ ثم عرجنا على نوادي روما وباريس ثم لندن، فكانت تكلفة الديون مرتفعة جدا؛ ولم نجد ساعتها من ذوي القربى من يمنحنا ولو قسطا من المال؛ ولو كانت دولة تونس تملك القدر الكافي لما تأخرت في ذلك.
قرار الرئيس تبون نابع من اعتبارات معلنة؛ تأتي ضمن سياقات جيو ـ إستراتيجية، تمليها التطورات الدولية الراهنة؛ سواء في الساحل الصحراوي؛ أو منطقة التوتر بليبيا، تحتّم التّعاطي مع الملف بدبلوماسية حذرة، عكس اللجوء إلى الخيارات الخارجية التي تفرض أجنداتها ويجعل سيادة البلد على صفيح ساخن.
المتتبّع للشّأن الدولي يدرك جيدا أنّ زيارات دولة قادت بعض الزّعماء والقادة إلى البلدين؛ ولا شك أنّ مخرجات اللّقاءات تحتّم التعامل بحذر مع كل ما له علاقة باستقرار البلدين، فالجزائر بإمكانها استرجاع الوديعة في تاريخها المحدّد.