غنيّ هو تراثنا بشقّيه المادي واللاّمادي، وكثيرة هي المطامع الخارجية عليه ومحاولات السطو عليه وسرقة معالمه، فلا تمر فترة من الزمن إلا وأحبطت محاولات لسرقة الألحان والأغاني التراثية الجزائرية من فنانين مغاربة وعرب، وتناقلت الصحف ووسائل الإعلام إفشال مصالح الشرطة والدرك عمليات سرقة الآثار والعملات، ناهيك عن فضح عمليات التخريب والتعدي الهمجي على المعالم الأثرية والتاريخية.
واقع مرير وعواقب وخيمة لها انعكاسات جد سلبية على الهوية الوطنية وعلى الثقافة الشعبية وتاريخ الإنسان الجزائري، فكل محاولة سطو وسرقة للفن، للأطباق للألبسة التقليدية، والحكايات والأحجيات وغيرها...، هي ضربة موجعة لعاداتنا وتقاليدنا وتراثنا المادي، وكل محاولة سرقة أوتخريب لتحفنا المعمارية والأثرية ولمعالمنا المصنّفة كإرث للإنسانية هي محاولة لطمس تاريخنا والدفع به إلى هاوية النسيان.
تراثنا، اليوم ضحيّة اللاّمبالاة وعدم اهتمام الكثير من الجزائريّين بقيمته التاريخية والانثروبولوجية والعلمية والثقافية وكذا الاقتصادية، فإضافة إلى كونه رمزا للهوية وبصمة لوجودنا في المنطقة، فهو كنز توارثناه بفضل أمانة الأجداد واعتزازهم بالعادات والتقاليد وتمسّكهم بها، وتقع على عاتقنا مسؤولية الحفاظ عليه والتّعريف به، دراسته وتدوينه ونقله بكل أمانة بدورنا للأجيال القادمة.
لا ينكر أحد اهتمام الدولة الجزائرية ومجهوداتها في الحفاظ على التّراث الوطني، وهي التي وضعت ترسانة قانونية ومصالح أمنية وميكانيزمات تجرم كل محاولات التخريب والاتجار به وسرقته، كما سطّرت برامج للتعريف به وإدماجه كنقطة أساسية في مشاريع تنمية السياحة، ولا ننكر أيضا اهتمام بعض الجمعيات بالدفاع عنه ودق ناقوس الخطر، وكذا غيرة بعض المواطنين عليه والتنديد بكل عملية تخريب تطاله خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي...لكن تبقى المسؤولية تخص الجميع، كل مواطن جزائري، فإلى متى يقف الجميع في خانة اللاّمبالاة؟ فالأمر لا يستدعي منّا سوى استيعاب قيمة هذا التراث، الاعتزاز به وفهم ضرورة الحفاظ عليه من كل محاولة سطو، سرقة، إهمال وتخريب...