تحوّلت قضية توزيع الحليب إلى أزمة حقيقية بين أطراف تحتكر السوق لتمرير أطماعها وغاياتها الربحية على حساب المواطن «المستهلك»؛ حيث يعيش هذا الأخير بين سندان الأسعار الملتهبة ومطرقة احتكار المضاربين، منذ أن أعلن وزير التجارة عن تصّديه لهذه الظاهرة الدخيلة؛ حتى بدأت تداعياتها تخرج للعلن؛ يدفع المواطن خفايا الصراع الذي يدار بين الأطراف الثلاثة: المصانع، الموزعين و تجار الجملة والتجزئة.
المواطن اليوم يتساءل عن رقم 4.7 مليون كيس حليب تخرج من المجمعات العمومية والخاصة؛ توّجه للاستهلاك؛ فتنفذ في لمح البصر، ولا تظفر الطوابير أمام محلات البيع بكيس واحد فتعود تجر خيبتها وحسرتها، فيما يشتكي البعض من تكدسها بعد إلزام المواطن بشراء كيس لبن إجباري؛ ومن تحصل على طلبه، فيبقى قاب قوسين، في أن يدفع ثمنها المرتفع من عدمه، وهو يدرك جيدا أنه يساهم في تفشي ظاهرة البزنسة المقننة؛ حتى وإن كان غير مضطر لذلك، فإن الحاجة تلزمه في التعامل مع الواقع ولا خيار أمامه؛ خاصة في ظل الممارسات الدخيلة على مجتمعنا منها الربح السريع على حساب القيم والأخلاق والضمير المهني.
رزيق وهو يتوّعد «أباطرة» سوق الحليب يعي جيدا، أنه لو كان الرقم المصرّح به يصل إلى الأسواق، حقيقة لا افتراء لبقيت الأكياس معروضة في المحلات؛ لأن حاجة المواطن تكفيه القدر الكافي من الاستهلاك اليومي؛ساعتها سوف ينخفض الرقم إلى أضعاف مضاعفة.
حادثة التعدّي على شاب في مقتبل العمر وإحداث عاهة مستديمة له، بعد كشفه لمؤامرة، أبطالها تجار جملة وموّزعين؛ أماط اللّثام عن حقيقة ما يحدث في دواليب إدارة سوق الحليب، يباع مسحوق الحليب المدعم من طرف الدولة بأثمان مرتفعة وحرمان المواطن منها.
لا يمكن الاستمرار في خلط مسحوق الحليب بالماء وبيعه للمواطن في كيس بلاستيكي؛ وتعجز المؤسسات المعنية عن تحقيق الاكتفاء الذاتي، وفق نظرة استشرافية كفيلة بإعادة خارطة تنقل هذه المادة الحيوية من منتجها إلى المستهلك دون مرورها بالحواجز المزيفة في وضح النهار.