بالتأكيد لم يحمل مؤتمر برلين حلا سحريا للأزمة المعقّدة التي تتخبط فيها ليبيا، لكنه بالمقابل نجح في جعل المسألة التي انكبّ على بحثها، في قلب اهتمام المجموعة الدولية التي دعت بصوت واحد إلى ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار المعلن قبل أيام، ودفع الأطراف الداخلية المتنازعة إلى الانخراط في حوار جدّي يفضي إلى تسوية سياسية تعيد الأمن والاستقرار لهذه الدولة الشقيقة التي وقعت في مصيدة صراع دولي خبيث من أجل نهب ثرواتها ووضع موطئ قدم على مساحتها ذات الموقع الاستراتيجي.
مؤتمر برلين، كما قال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، نجح في الوصول إلى «مفتاح» يمكن به حل أزمة ليبيا، لكن هذا النجاح بحاجة إلى عمل حقيقي لاختراق الحشود التي تسدّ باب الانفراج حتى يتم وضع المفتاح في القفل وينتهي الكابوس الذي يعيشه اللّيبيون، منذ ما يقارب العقد من الزمن.
مهما تباينت الآراء بشأن مؤتمر برلين ونسبة نجاحه، فمن المهمّ التأكيد بأن ما حقّقه كان إنجازا هاما، فالحضور كان واسعا ومتنوعا وشمل بعض الدول المتوّرطة في تأجيج الصراع اللّيبي، كما أن الجميع عبّروا عن رغبتهم في التعاون وكانوا متفقين، على أن الأزمة اللّيبية لا تحل بالطرق العسكرية.
الآن الكرة في مرمى الفرقاء اللّيبيين الذين عليهم ليس فقط ترسيخ وقف إطلاق النار ووقف سياسة التهديد والتصعيد، وإنّما القبول بالجلوس إلى طاولة حوار بمرافقة ومشاركة طرف ثالث من الأفضل أن تكون الجزائر لمواقفها المحايدة ووقوفها على مسافة واحدة من طرفي النزاع اللّيبي، وبعد كسر جليد الخلافات والانقسامات يمكن الانخراط في حوار ليبي-ليبي لرسم معالم ليبيا الجديدة التي يساهم الجميع في بنائها دون إقصاء أو تهميش.
لكن، رغم إدراكنا لحتمية اقتناع فرقاء ليبيا بالجنوح إلى السلام وركوب قاطرته حتى بلوغ برّ الأمان، فإنّنا مدركون بأن مفتاح الحل الذي تحدّث عنه وزير الخارجية الألماني بيد الدول المتورّطة في تأجيج الصراع اللّيبي، تلك التي تؤلّب هذا الطرف على الآخر وتغذّي الاقتتال بالسلاح والمرتزقة وحتى الإرهابيين، هذه الدول هي مصدر البلاء كلّه ولا حل في ليبيا دون تحييدها وإخراجها من ساحة الصراع، وغير ذلك فإن مؤتمر برلين سينتهي إلى ما انتهت إليه المؤتمرات والاتفاقات المتوّصل إليها في الصخيرات وباريس وباليرمو وأبوظبي.