لم يتوقف العقل التركي عن الإبداع وتجاوز الآخر، بل تعدى ذلك الحدود الجغرافية لحضارة الأناضول القديمة، وهاهي تركيا اليوم تتصدر الدول الأوفر اقتصادا في العالم، ليس في المجالات الحيوية ذات العلاقة بالصناعات الثقيلة، العسكرية، الطاقة الشمسية، المنشآت القاعدية المتنقلة، التكنولوجيا الحديثة، بل أنها وصلت عتبة الدول الأكثر تطورا، ودخلت نادي الدول الكبرى، نظير سياستها الخارجية، ودفاعها المستميت عن حاضرها وحضورها الممتد في الماضي العثماني، عندما كانت إمبراطورية يقرأ لها ألف حساب في البر وفي البحر.
تساهم القطاعات الحيوية الأخرى ذات البصمة التركية، بنسبة كبيرة في النمو الاقتصادي العالمي، محتلة الصدارة في البعض منها، الأمر الذي يؤهلها لتكون في صدارة اهتمام الجزائر لأبعاد مشتركة تجمع الشعبين التركي والجزائري.
مما لا شك فيه أن الجزائر لا تزال تحتفظ في ذاكرتها التاريخية بآثار ماضي الإمبراطورية العثمانية، وعهد الدايات مرورا بالبايات ثم «الخز ناجي» و «البوسطجي»، المكرسين الآن في نظام الجباية وما تعلق بالضرائب المباشرة وغير المباشرة، التي كانت ترسم على المهن والنشاطات الاقتصادية المنتجة، كما كانت ترسم على البواخر والسفن التي تعبر مياه الحوض المتوسطي، ولعل واجهات البنايات وداخل البيوت لا تزال البصمة التركية ماثلة إلى اليوم بفارق كبير عن البصمة الغربية «الموراسك والموزاييك»، التي حاولت تشويه الجانب الفني والجمالي لها.
عبر كل نواحي الحياة لا يزال العقل التركي يؤثر من خلال بصمته الماثلة، فبين اختزال الحنين إلى الدولة العثمانية التي صنعت مجدها، هاهي تركيا اليوم عبر نهضة رقمية حديثة تعود إلى الواجهة من البيوت العربية والغربية، ضامنة الحد الكافي من التواجد في المجتمعات العربية والغربية، فليس همها البحث عن أسواق مربحة بقدر ما يهمها الشريك الدائم والأقل تكلفة.