تمر علينا الذّكرى 53 لتأسيس المجالس الشّعبية البلدية يوم 18 جانفي 1967 بصدور النّصوص التّنظيمية الأولى لتسيير هذه «الخلايا القاعدية لبناء الدولة» بعد فترة وجيزة من استعادة السيادة الوطنية لم تتعد 5 سنوات كانت بداية العودة إلى الشّرعية الدّستورية بتوالي العناوين السياسية الكبرى في الجزائر. تقييم هذه المسيرة 1967 ــ 2019 المتميّزة بإرساء مرجعيات العمل المحلي، مدخله الفعل الانتخابي القائم على الاختيار الشّعبي حتى وإن كان في منطق الحزب الواحد، فإنّ الارادة توجّهت نحو الخروج من الفراغ المؤسّساتي النّاجم عن مرحلة ما بعد الاستقلال.
وإن حاول القانون سّالف الذكر، الذي يعد لبنة أساسية في المنظومة المتعلّقة بإدارة الشّأن المحلي بكل تفاصيله الدّقيقة، غير أنّه حمل لون النّموذج المختار آنذاك ألا وهو الاشتراكية، وكل تبعات الممارسة ترجمت هذا التّوجّه وسار الحال على هذا المنوال إلى غاية الانفتاح في نهاية الثّمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، ووقف كل من عايش تلك الظّروف على أوّل تجربة استندت إلى القائمة الحزبية المتعدّدة، ومباشرة وفي منتصف التّسعينات تقرّر مراجعة قانون البلدية والولاية بإدخال عناصر جديدة، كيّف وفق الوقائع السياسية المتبنّاة، كما عدّل في سنوات الألفين من خلال السّعي لتدعيمه بآليات عملية تندرج في إطار ترقية أداء البلديات ووضع ضوابط لتفادي العجز المالي خاصة.
وهكذا فقد تمّ إدراج عدّة مواد حيوية هدفها الحفاظ على كيان المجالس الشّعبية من كل طارئ ناجم عن التسيير، منها صندوق التضامن ما بين البلديات الذي يعتبر موردا استراتيجيا في حالة تسجيل أي مشكل مالي يعترض المشاريع الجوارية والخدماتية على المستوى المحلي، كما تمّ إدراج عدة محاور أخرى كالسّماح للبلديات بإنشاء مؤسّسات محلية والاقتراض من البنوك، وتوسيع صلاحيات رئيس البلدية في حدود معقولة وتقوية مهام المراقب المالي.
ومازال الجدل دائرا إلى غاية يومنا هذا، خاصة من قبل رؤساء البلديات الذين يودّون أن تمنح لهم مهام إضافية أخرى على غرار ما هي عليه حاليا، وغير مستبعد أن يعدّل ثانية قانون البلدية والولاية باتجاه تكييفه مع المستجدّات الرّاهنة منها الاقتصادية، وبالتحديد المسائل المالية كتثمين الأملاك، التّحصيل الجبائي وإدارة الصّفقات وغيرها..
هذا المسار السياسي والتنظيمي هدفه جعل البلدية ضمن أولوية اهتمامات السّلطات العمومية، وهذا بإبراز علاقتها الوطيدة وصلتها الوثيقة بالمواطن، وبإدخال النّظام البيومتري على الوثائق، والعمل بالسجل الوطني الآلي تخلّص النّاس من تضييع المزيد من الوقت في الطّوابير من أجل استخراج أوراق الحالة المدنية.
كل هذا يمهّد باتجاه البحث عن النّموذج اللاّئق لبلدية جزائرية بعد 53 سنة من التّأسيس، وفي هذا الاطار سنطّلع من خلال فتح هذا الملف رفقة مراسلينا على النظرة المستقبلية استنادا إلى آراء عيّنات من رؤساء البلديات في الجزائر العميقة.