شدت ندوة برلين الدولية حول ليبيا، أنظار العالم لصياغة حل سياسي توافقي يخرج البلد الجار والشقيق من أتون أزمة أمنية قاتلة للأمل، أرهقت المواطن المتطلع للاستقرار ومواكبة العالم الجديد من خلال استغلال ثرواته وإدراك الأمم الناشئة. لم يكن من حلّ سحري، تاركا المجال للغة السلاح بكل التداعيات على الأمن الاستراتيجي للمنطقة، قبل أن يبادر البلد الشقيق، الجزائر، منطلقا من جملة اعتبارات تاريخية وجغرافية، ومبادئ راسخة في العلاقات الدولية منذ ثورة التحرير المجيدة، لمرافقة «الأشقاء الفرقاء» باتجاه محطة السلام، عبر انتهاج مسار الحوار المفتوح والشامل حول مصلحة واحدة هي أمن ومستقبل الشعب الليبي، الذي يملك كافة عوامل الانطلاق ضمن المجموعة الدولية والإقليمية في ظل عولمة ترتكز على تكتلات جهوية بأهداف اقتصادية.
الموقف المسؤول الذي تنتهجه الجزائر ليس ظرفيا ولا يخضع لاعتبارات ضيقة، وإنما هو توجه ثابت راسخ في الدبلوماسية الجزائرية بكل ما تشمله من قيم ومبادئ نابعة من ميثاق الأمم المتحدة وتجد امتداداها في أدبيات دبلوماسية الثورة التحريرية، التي رفعت عاليا لواء الحرية والسلام والتضامن بين الدول في خدمة السلم والأمن الدوليين تحت مظلة القانون الدولي. يمثل الحوار والتشاور لإنجاز مصالحة شاملة وفقا لمعايير السلم والتضامن قيمة ثابتة في المقاربة الجزائرية للعلاقات الخارجية الدولية والإقليمية، تنسجم دون تأثر بتغيرات ظرفية أو تطورات تدفع إليها صراعات قوى نافذة في العالم تتصارع للهيمنة على مصادر الطاقة والأسواق الناشئة، دون مراعاة أمن واستقرار الشعوب، ومصالحها الحيوية في النماء والازدهار ومواكبة التحولات العالمية في مجال التكنولوجيات واقتصاد المعرفة تحت مظلة السلم الذي يؤمن الطريق إلى الاندماج في عولمة عادلة ومتوازنة.
ولا يمكن أن يفوّت الليبيون فرصة الحل، عبر الحوار، إذا توفرت عوامل تجسيد التطلعات المشروعة من المجموعة الدولية برعاية الأمم المتحدة ومرافقة الاتحاد الإفريقي كما أوضحه الرئيس تبون، وهو ما حرصت عليه الجزائر لدرء أخطار محدقة تغذيها الفوضى من خلال انتشار الأسلحة وانفلات حركة جماعات إرهابية تستفيد من غموض المشهد جراء تدخلات أطراف تذكي نار الفتنة وتشيع الخراب والهلع ضمن أجندات لا تخدم إطلاقا المصلحة الوطنية للشعب الليبي وتشكل تهديدا صريحا للمنطقة برمتها وهو أمر لا يمكن السكوت عنه، لذلك استوجب المبادرة منذ أول شرارة للأزمة لتقليص الهوة بين الأشقاء وتقريب المسافة بينهم حول مصلحة بلادهم ومستقبل شعبهم المسالم، بعيدا عن أي خلفيات غير الحرص على أمن واستقرار بلد جار وشقيق لا يستحق شعبه كل هذا التمزق والفرقة.