لم يكن بالإمكان بقاء الجزائر بعيدة عن المساعدة في بناء حل توافقي يسمح للشعب الليبي الشقيق بالتخلص من أزمة استنزفت مقدراته معرضة مستقبل بلد بحجم ليبيا للضياع، مع أن لديه الموارد والإمكانيات التي تقوده إلى الرفاهية في ظل الأمن والاستقرار، الذي يحتاج إليه أكثر من حاجته للسلاح.
منطلقات عديدة تجعل الجزائر تهتم بملف زاد التدخل الخارجي فيه من تعقيداته، التي تحمل تهديدات لمنطقتي الساحل الإفريقي وشمال القارة السمراء، ناهيك عن تلك التي تنعكس مباشرة على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط، جراء الهجرة غير الشرعية والنزوح واسع النطاق.
من هنا، بفعل الأخوة وحسن الجوار، كان الدور الهادئ والمتبصر للدبلوماسية الجزائرية في إعادة ترتيب أوراق الملف ومساعدة الأطراف المعنية على تصحيح مسار الحل، من المواجهة العسكرية التي تلحق ضررا لا يجبر بالشعب الليبي إلى الحوار الشامل والمفتوح، للخروج بحل توافقي وفقا للمعايير الدولية لفض النزاعات تحت مظلة الأمم المتحدة. في هذا الإطار، تنعقد الندوة الدولية ببرلين، حيث يشارك الرئيس تبون في أشغالها، غدا، بدعوة من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في وقت يعقد فيه الأمل للتوصل إلى ورقة طريق تكون مخرجا نهائيا يعقب «نجاح وقف إطلاق النار»، الذي يساعد على تحريك عجلة الحل السياسي والدفع بالأوضاع في بلد عمر المختار إلى مرحلة تتيح له التموقع كعامل استقرار ومصدر للنمو بأبعاده الإقليمية لتعزيز مناخ السلم والتنمية.
المقاربة الجزائرية، التي وجدت صدى إيجابيا لدى شركاء المنطقة، تحرص على الوقوف على نفس المسافة من الأطراف الليبية ومرافقتهم للجلوس حول طاولة الحوار، باتجاه تجسيد تطلعات السلام وعودة الأوضاع إلى طبيعتها ضمن دولة واحدة موحدة شعبا وأرضا، وإتاحة الفرصة للشعب الليبي للحسم في خياراته بكل حرية وديمقراطية واحترام خصوصياته. بطبيعة الحال للتاريخ والجغرافيا حكمهما في الانتباه لما يحدث في البلد الجار من حيث الوقوف إلى جانب الأشقاء في مواجهة الظروف الصعبة، علما أن الأزمة الأمنية تنجر عنها مآس ومحن تصيب المدنيين، الذين أحوج ما يحتاجون إليه العيش الكريم في إطار من الأخوة والتضامن والتوظيف الجيد للموارد الطبيعية لفائدة أهل البلد، في زمن تعزّ فيه الثروات ويراهن عليها في تجاوز التداعيات السلبية للعولمة الاقتصادية.