تسرّبت ظاهرة غريبة عن المجتمع الجزائري مخالفة لتقاليد السلف وتتعارض مع تطلعات الأجيال الجديدة، من خلال انتشار ملفت لشعارات وعبارات وتعابير تحمل مضامين عنصرية وجهوية وكراهية، يصعب هضمها في بلد يقدم أحسن مثال للتعايش والتآخي والتراحم، وعرف في أكثر من حقبة كيف يجعل من التنوع الثقافي والاختلاف السياسي قوة إضافية تعزز الوحدة وترسم توجهات التمدن. ولعل الحراك بطبعته الأصلية، خير مثال في السلمية ورفع شعارات أبهرت العالم تضع الوحدة في صدارة المطالب.
تعتبر الثورة التحريرية وقبلها الثورات الشعبية من أفضل الأمثلة على تمسك الشعب الجزائري بقيمه التي يحملها موروث حملته الأجيال منذ أول التاريخ، فاستعصت الجزائر على المعتدين والمحتلين والمتآمرين بفضل تماسك شعبها وانسجامه في لحمة واحدة موحدة متماسكة في كل الظروف، مما وضع الشعب الجزائري في قمة الشعوب الراقية التي تعرف كيف تتجاوز محنها وتعالج اختلافاتها وترسم التوجهات إلى المستقبل، بعيدا عن أي نزعة لقطيعة مع الانتماء الأصيل والمرجعية المتكاملة للهوية.
لذلك، وبالنظر للتطلعات المشروعة للأجيال الجديدة، المحاطة من كل الجوانب بسطوة التكنولوجيات الجدية خاصة شبكات التواصل الاجتماعي المخترقة من مخابر أجنبية ومراكز «أنتلجنسيا» المعلومات التي تشتغل لقوى نافذة تترصد ببلادنا وترى في الشباب الجزائري منافسا في العلوم والإبداع والذكاء في مختلف القطاعات التي تنتج النمووتعزز السيادة، بات حتميا التصدي لتكل الممارسات الخطيرة التي تحاول ضرب العصب الحي للأمة ممثلا في الانسجام والتناغم الذي يتميز به النسيج الاجتماعي والثقافي والترابط التاريخي الذي يرسم معالم المستقبل.
حقيقة هناك «أشكال تعبيرية» في شكل شعارات وتعابير غير طبيعية برزت في المشهد وبالذات على مستوى منصات التواصل الاجتماعي ويوميات «الحراك» الذي بدأ يتحول من مساره الأول الذي حقق أهدافه كاملة، ليتجه وجهة لا يقبلها الشعب الجزائري ويدحضها بصريح العبارة كونها وجهة تحمل تهديدات لعمق النسيج الوطني وتشويه لمعانيه وتعد صارخ على موروث الذاكرة الجماعية بكل مكوناتها التاريخية والثقافية والعقائدية والارتباط الأبدي بالجغرافيا الوطنية ذات التنوع المبهر والمثير للإعجاب لدى الشعوب المتشبعة بقيم الإنسانية، إلى درجة أن أعداء الجزائر لا يتركون فرصة إلا وحاولوا عبثا الاشتغال عليها لمشاريعهم الحاملة «لفيروسات» الفتن عن طريق تسويق خطاب العنصرية المقيتة والكراهية المنبوذة والجهوية الدنيئة.
أعطت الأجيال السابقة على مر العقود درسا في تقديم الصورة الأصيلة للفرد الجزائري فكانت تلك القيم الحاملة للتسامح والتضامن والوحدة صمام أمان في مواجهة مشاريع تستهدف اللحمة الوطنية، فلم تستطع برامج ومشاريع من هذا النوع من «العدوان غير المادي» منذ جرائم إدارة الاحتلال الفرنسي التي نفذتها المصالح الإدارية المتخصصة «صاص» النيل من جسم الهوية الجزائرية المثخن يومها بالجراح جراء أبشع أنواع التعذيب والإبادة والاستغلال والقهر والاحتقار، إلى أن نهض في لحظة فارقة ومذهلة لكسر الأمر الواقع وشق طريق الحرية التي يتنفس نسيمها أجيال لا يمكن أن تنطلي عليهم برامج مستنسخة بأدوات تكنولوجية، يعرف الشباب الجزائري كيف يوظفها لمواصلة المسيرة بنفس النسيج الاجتماعي الذي صنعته ثورة نوفمبر متماسكا وموحدا ومتعايشا، بشكل لا يقل عن ذلك الذي تعيشه أمم كبيرة لها بصمتها في العالم الحديث.