تسجل حركية فعالة على مسار رد الاعتبار للفعل السياسي في تسوية النزاعات الداخلية بفضل استعادة الدور البناء والفاعل للدبلوماسية الجزائرية في المنطقة وبالذات بشأن مساعي معالجة الأزمة اللّيبية وفقا لقواعد الحوار والتشاور لتمكين ليبيا من تجاوز الظروف العصيبة التي تعترضها وبلوغ بر الأمان ليستعيد البلد الشقيق استقراره وأمنه وازدهار شعبه. وسجل في الآونة الأخيرة، قدوم وفود من مختلف البلدان المعنية بالوضع يتقدمهم أطراف الملف الليبي، فبعد استقبال الرئيس تبون لرئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج، تلاه استقبال ومحادثات مع وزير خارجية إيطاليا ونظيره المصري، فيما يرتقب تنظيم زيارات على أعلى مستوى تندرج في إطار تعميق التشاور ورسم معالم مقاربة الحل، قبيل اجتماع برلين بألمانيا، حيث يرتقب صياغة مخرج شامل للأزمة الليبية، ضمن إطار مبادئ الأمم المتحدة وأبرزها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخل الأجنبي في الأزمات.
قواسم مشتركة اتضحت في المشهد الإقليمي تنبئ بأن الدور الذي تتولاّه الجزائر، وهو من صميم التزاماتها الدولية المطابقة للشرعية خاصة حسن الجوار واحترام سيادة الدول والتعاون لفائدة الشعوب، يحمل ثمارا بناءة يمكن البناء عليها للخروج بتصور صحيح ليرسم أفق حل الأزمة في بلد يتوق شعبه المسالم للأمن والاستقرار والرفاهية، خاصة وأن عوامل إنجاز هذا التحول قائمة وتحتاج إلى تظافر الجهود وتكامل المسارات في اتجاه ما يصبو إليه الشعب الليبي، من خلال توفير الأسباب التي تشجع على الحوار بين الفرقاء وكسر هاجس الحذر بين الإخوة الأعداء، للجلوس حول طاولة النقاش والمرافقة من كافة الأطراف الإقليمية والدولية في تأسيس سبيل المخرج الآمن والضامن لسلامة ووحدة ليبيا.
هذه العودة للدبلوماسية الجزائرية ليست صدفة، فقد تبين كيف كان لاستكمال المسار الدستوري، وتجاوز الجزائر عن جدارة للاستحقاق الرئاسي في صورة عكست مدى الحرص الشعبي على انتقال البلاد من مرحلة التردد إلى مرحلة المبادرة وطنيا وإقليميا ودوليا، أثره الإيجابي المباشر على الساحة، بإعادة الانتشار في الساحة بمعايير جزائرية خالصة تنطلق من رصيد تاريخي مشهود له في لعب أدوار سياسية متميزة لمعالجة أزمات معقدة وحل مشاكل متداخلة في أكثر من منطقة من العالم خاصة بإفريقيا والوطن العربي وحتى بين قوى دولية لها نفوذ في فترات سابقة، بالارتكاز على مبادئ وقيم إنسانية وقانونية وأخلاقية مشهود لها في أكثر من موعد.
كم من معضلة تاه فيها متنازعون واتسعت الهوة بين فرقاء وتعمّق الشرخ بين خصوم فيما بين دول أوبين أبناء البلد الواحد، لكن سرعان ما أعيدت المعادلة إلى توازنها، بفضل الدور البناء والموضوعي والنزيه للجزائر، مثلما تقوم به اليوم، في ظل انطلاق مسار الجزائر الجديدة، القائمة على القانون والحق والتضامن، والأكثر أهمية الإصغاء للإرادة الشعبية عبر آليات الديمقراطية في كنف السلم والاستقرار، مما يعطي ثقلا ملائما للأداء في منظومة العلاقات الدولية الإقليمية، بالأخص مرافقة المنطقة في تجاوز التهديدات الأمنية التي تعطل التنمية وترهن مستقبل الشعوب بالرغم من تمتعها بثروات وموارد يحتاج توظيفها لفائدة الشعوب إلى مناخ هادئ وشفاف.