يعد المرحوم محمد الصالح دمبري إمتداد سلس لأداء الديبلوماسية الجزائرية منذ الثورة التحريرية القائمة على المبادئ النضالية والحرية والعدالة والضامنة لحقوق الشعب في استرجاع السيادة والتصرّف في ثرواتها ورفض مصادرة قرارها السيادي.
هذه المنطلقات الوطنية البحثة هي وليدة تجارب قاسية مع النظام الاستعماري الكولونيالي، بقيت راسخة في أدبيات العمل الخارجي للجزائر قادها رجال أشاوس كانت ملامحها الأولى خلال مفاوضات إيفيان وظهور شخصيات بارزة آنذاك كسعد دحلب، محمد الصديق بن يحيى، أمحمد يزيد، الطيب بولحروف، كريم بلقاسم، مصطفى بن عودة، رضا مالك ولخضر بن طوبال والصغير مصطفاوي.
الفقيد دمبري بقي وفيا للخط الذي رسمه هؤلاء في إسماع صوت الجزائر على الصعيد الدولي واستطاع فعلا أن يكون مدافعا شرسا على قيم السياسة الخارجية لبلادنا في ظروف صعبة ومعقّدة، خاصة منذ أن تولى منصب الوزير في منتصف التسعينات وما عرفته من تداعيات.
وخلال هذا السياق المتميز بالحصار غير المعلن وتكالب قوى الشرّ، طرح خيار إعادة انتشار الديبلوماسية الجزائرية الذي أملته محاولات بعض الأطراف لعزل الجزائر وإبعادها عن التأثير وصناعة المواقف وتحريض بعض الدول الصديقة والشقيقة على أخذ مسافة مع هذا البلد.
لكن بفضل حنكة دمبري واطلاعه الواسع على مايجري في هذا الشأن أطاح بهذا المخطط الجهنمي آنذاك وهذا بفضل اتصالاته المكثفة مع جميع البلدان وبالتوازي مع ذلك اسداء تعليمات صارمة الى السفارات بالخارج للتفاعل مع التوجّه الجديد القائم على تجاوز كل مايسعى البعض لإلحاقه من ضرر بالجزائر بالتواطؤ مع بعض الجهات لتشويه صورة البلد بخصوص الأحداث الداخلية آنذاك.
كما أبدى دمبري رفضه القاطع للطرح الغريب الصادر آنذاك والذي أراد ربط إعادة بعث صرح الاتحاد المغاربي بالقضية الصحراوية العادلة، معتبرا ذلك مناورة ظرفية مآلها الفشل الذريع لا تلبث أن تنصهر بحكم مرور الوقت وهذا فعلا ماحدث، ويعود هذا بفلضل استشرافه الصائب لمجريات الوقائع.