هكذا عنون أحد فحول الشعراء في الجزائر ديوانه حزنا على رحيل الرئيس هواري بومدين، وهو ما يصنف في نوع الرثاء..بأسلوب راق، في ذكر خصال رجل صادق ومناقب إنسان خارق طيلة تسييره لمفاصل الدولة الوطنية المنبثقة عن بيان أول نوفمبر.
نتذكر هذا الوصف الدقيق عقب مرور عشريات من الزمن إثر المصاب الجلل الذي ألم بالجزائر في وفاة الفريق أحمد ڤايد صالح، إنها حقا لوعة الفراق لمجاهد بقي وفيا لبلده منذ نعومة أظافره في السراء والضراء مدافعا ببسالة ودون هوادة عن قيم الثورة، محافظا على أمانة الشهداء وحاميا للسيادة والوحدة الترابية.
بعد 41 سنة من انتقال بومدين إلى جوار ربه يتكرر نفس المشهد أمام قصر الشعب، بتعالي الصيحات مترحمة على فقيد الجزائر أحمد ڤايد صالح من وسط جماهيري كبير جاء ليودع أحد أبنائها البررة الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الجزائر والجزائر لاغير، إنه عربون محبة من شعب لقائد عسكري رافقه في ظروف صعبة ومعقدة، ووقف على حرصه الشديد من أجل أن لاتقع الجزائر في غياهب الفوضى وتتعرض للمؤامرات الكبرى عندما قرر أن يكون الحل دستوريا، وفق خارطة طريق محددة بدقة لا تتجاوز 90 يوما قصد العودة إلى الأوضاع الطبيعية وتفادي التصورات الترقيعية والمسائل المؤقتة المضرة بالبلاد والعباد.
نحن اليوم في منطق سياسي آخر يختلف اختلافا جذريا عن سابقه أي ما ماقبل ١٢ ديسمبر، بانتخاب رئيس الجمهورية لتسيير شؤون الأمة، وهذا فعلا مسار شدد عليه المرحوم الفريق أحمد ڤايد صالح منذ ١٠ أشهر، ووفى به ولم يتراجع عنه أبدا بالرغم من الضغوط التي كان يمارسها البعض خلال يومي الثلاثاء والجمعة.
هذا الإلتفاف الشعبي المنقطع النظير حول فقيد الجزائر والاصطفاف للجزائريين منذ الساعات الأولى من نهار أمس على طول الأرصفة لتوديعه رسالة قوية المضمون لأولئك الذين في قلوبهم مرض، الذين أطلقوا العنان لتلك الهتافات الباطلة التي لا أساس لها من الصحة، وعارية من كل حقيقة، وفي فترة قياسية وجيزة جدا، تغيرت الحالة السياسية رأسا على عقب، واليوم هناك واقع آخر في العمل الدستوري في الجزائر حدد خارطة طريقه الفريق الفقيد اقتناعا عميقا منه، بأنه لا خيار لنا ماعدا هذا الإلتزام الصارم الذي دافع عنه قلبا وقالبا إلى غاية تجسيده في الميدان.
وهكذا وقف الجزائريون الأحرار كرجل واحد أمس مبرزين للعالم ولكل من كان يكذب على الناس ليلا ونهارا عبر الفضاء الأزرق تعلقهم بوطنهم ورجالهم الأخيار والأطهار فماذا عسى لهؤلاء أن يقولوا من الآن فصاعدا عندما رأوا تلك الصور مثلما استفاق البعض بعد وفاة بومدين، وقرروا الإعتراف بهذا الرجل وما نقول لهم فقط «احشموا».