لازلت تحت الصدمة غير مصدق، بأنني لن أقرأ بعد اليوم، ورقة طريق الدولة الجزائرية الحديثة المعتقة، كما يراها الاستراتيجي النوفمبري الفريق ڤايد صالح... لازلت غير مصدق أن ذلك الرجل الذي كتبت عنه، قبل أسبوع كأخر عناقيد ثورة الفاتح من نوفمبر، ترجل إلى الموت كالهزبر دون خوف ولا خشية، في ثنائية غريبة « «قاهر الأبدان وقائد الأركان « لازلت أتساءل كيف بك، وأنت الوفي الاصيل، تغادرنا وقد ألفناك في الشوارع والمؤسسات والبيوت محدثا ومحذرا وسيدا وحصورا.
كنت واحدا منا، بل شيخنا وقائدنا المغوار، ولم تكن قائدا للثكنات فقط، كيف ترجلت أيها الهزبر الفيصل الفذ، دون أإن تودعنا، في غمرة من العمر، هل أتعبتك الظنون، أن تقول وداعا لشعبك ولمحبيك ؟ ومن يقول لي وداعا وأنا في قاعة التحرير بين ركام الأوراق أنتظر برقياتك التي ألفت تفكيكها وهي تنزل بردا وسلاما على الوطن ؟ هل اتعبتك الهموم وهي تنزل على قلبك مواجعا وفجائعا ؟ أم أرهقت الحدود وأبناء الأخدود؟
ترجلت أيها المجاهد إلى سدرة المنتهى غير مبدل، ولا متكبر، عرفك البسطاء وبكاك الفقراء، ودعا لك الخيرون، وتصدق عنك الأشراف من القوم وكنت خير الرفيق للجنود والرتباء، ترجلت أيها الناسك المتعبد في زاوية «سيدي عثمان قايد»، دون أن تلقي خطابا، أعود إليه وأنا أرافق سطور كلماتك، تلك الكلمات تزلزل قلبي بردا وسلاما، وأمنا للطريق، أفكك أفكارها؛ مستلهما من أنوارها شعلة تزيح عني العتمة والتيه، وأنت الذي كشفت الألغام في دواليب الأمة وكيانها، فضحتهم ذات ربيع وكشفت عنهم غطاء الخبث والخيانة، فبهت الذي تبت يداه، وشل لسانه وما كفر.
من أين يبدأ الحزن حضرة الفريق وإلى أين ينتهي؟، من أين تبدأ سيرة الرجال وهل لها أن تنتهي بمغادرتهم الحياة الدنيا؟ وهم يعيشون في ذواتنا كالأحلام الجميلة، حين ترفض مغادرة المخيلة... من أين ينتهي الحزن ليأتي الفرح في شكل فقيد الأمة، وهو يكلل بوسام الصدر تشريفا لبطولة ابن الاوراس، بل ابن الجزائر برمتها.
كنت مجاهدا وبقيت على العهد كما أنت ملازما للبزة العسكرية والرشاش، غير مكره رغم تقدم العمر ومرارة السنين، ومكر الاعداء.
هل أرثيك ؟ أم أرثي الوطن في فقدانك ؟ أم أرثي أسرتك وحدها، وأنت ابن الجزائر كلها، دخلت كل البيوت، وكنت خير الرفيق والأب والقائد، فبكتك الأمة وحزنت لفراقك االمفاجئ، لم تغمض جفون الأمهات، فبكاك الصغار كما الكبار، حاملين صورك في عوالمهم الحقيقية والافتراضية، تنقلوا من أمصار البلاد إلى حيث مرقدك الأبدي بإقامة «لآلة العالية»، معزين ومواسين شعبهم في صورة، لم نرها منذ أن فقدنا الراحل هواري بومدين.
من أنت أيها الفريق، حتى خرجت الجماهير عن بكرة أبيها تبكيك في السر وفي العلن، تشهد على خصالك وأخلاقك المثلى، مهما حاول الأذناب تشويه صورتها، فلن يقدروا على النيل منك ولو قيد أنملة، لأنك شريف وأصيل الأوراس وخريج كتاتيب عين ياقوت، من أين يأتي الحزن وشعارك في الحياة «صاحب الموت تمنح لك الحياة «، وبقيت على عهدك الأول ما بدلت ولا غيرت المراد.
ترجلت سيدي الفريق إلى مقامك الزكي.. والجزائر وشعبها يحفظان لك أحلى الصور في الشجاعة والمقاومة، قدت سفينة الشرعية إلى بر الأمان، وهو العهد الذي أقسمت بشأنه أنك لن تتراجع عنه، ولن تخون، فكتب الله لك ذلك، والجزائر ترسو على مرفأ الأمان، بقائد يكمل مسيرتك محافظا على سيرتك بين الأمم والأجيال، وداعا أيها المترجل إلى سدرة المنتهى...وداعا عمي صالح « مول المكحلة.