شخّص رئيس الجمهورية بدقة واقع الملفات السياسية، الإقتصادية والإجتماعية التي تحتاج فعلا إلى مرافقة عاجلة قصد تصحيح مسارها، باتجاه خدمة مخرجات التنمية الوطنية الشاملة، واستحداث وثبة غير مسبوقة في مؤشرات النمو حتى تبلغ الجزائر المقاييس المتعارف عليها، والتخلص من كل المثبطات التي تعترض هذا المسعى الحيوي الرامي إلى الانتقال إلى مرحلة أخرى تختلف اختلافا جذريا عن سابقتها.
هذا التشخيص الدقيق نابع أساسا من الاطلاع الواسع لتبون على الكيفية التي تم بها تسيير هذه القطاعات والتي لم ترتق إلى التطلعات المنشودة، بل بالعكس تراجعت في أدائها إلى مستويات مخيفة، بالرغم من ضخ أموال طائلة سواء من الميزانية السنوية العادية أو الإضافية زيادة على ما يسمى بالدعم الاستثنائي أو الخاص.
والرسالة المباشرة من هذه الإشارات الأولية تحتم التفكير مليا في مقاربات التسيير لاحقا وفق منطلقات جديدة تتماشى مع مقتضيات الآفاق القادمة.
ولا يخرج هذا الانشغال عن تلك الإرادة المتوجهة فعلا إلى مراجهة الآليات التي يستند إليها في إدارة الشأن العام، والتي ثبت بأنها بصدد تعطيل كل انطلاقة كون مرجعيتها تفتقد إلى المقاييس المعمول بها حتى تكون في المستوى المطلوب وفي السقف المأمول من باب ما يعرف بـ «المناجمنت» لتفادي الهروب إلى الأمام والقفز في المجهول، والبقاء في دائرة الجمود.
وتعديل هذا المسار في التسيير أو بالأحرى إعادة النظر في هذه المنظومة يستدعي الإسراع في إعتماد خارطة طريق حديثة بالتعاون مع كل الفاعلين والمتعاملين والعمل على إدماجهم في هذه الاستراتيجية المتبناة مستقبلا بالتخلص من كل السلبيات التي تنظر إلى كل هذا بذهنية «البايلك» أي لا يوجد من يحمي أموال وأملاك الدولة.
والعناوين الكبيرة الواردة في خطاب تبون السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الإعلامية والتربوية وغيرها تحتاج حقا إلى الاصلاحات العميقة القائمة على قواعد هادئة لا تضر بالانسان بقدر ما توفر له فضاء مغريا وجذابا في العمل وتحبب له المحيط الذي ينشط فيه، وتجعله ينخرط في هذا التوجه الراهن.
وعليه، فإن ماتم طرحه يعد ورشات مفتوحة لمسائل تعاني من اختلالات حادة، لا يعقل أن تواصل السير على هذا المنوال، بعد أن تعرضت «لأزمة هيكلية» عميقة خاصة من ناحية عدم التحكم في الدورة المالية، إثر التخلي عن أبجديات المنافسة والحضور الدائم في السوق، والتفكير في التصدير.إنها فعلا دعوة صريحة قصد الشروع فورا في الوقوف الموضوعي والصارم في آن واحد على شؤون البلد، وتجاوز الفترة الحالية بسلام، حتى وإن كانت هناك البعض من التراكمات قائمة فإن الحلول موجودة خدمة للصالح العام والاندماج في خيار آخر مبني على الكفاءة والإبداع في التسيير.كما أن المسار السياسي والتنموي عبارة عن نداء صادق يتطلب الهدوء ليتم تطبيقه في الميدان، وعلى الجزائر تفهم تحديات هذه الفترة غير العادية في مسيرة الوطن بتوفير الظروف الملائمة لتدشين هذا المشروع الجزائري الطموح بعد قرابة 10 أشهر من العمل الجاد لبلوغ هذه القمة من إنهاء المسائل الدستورية.