مر عرس الاستحقاق الرئاسي بردا وسلاما على الجزائر، شارك فيه من آمن بأن الصندوق هو السبيل الأوحد للخروج من الأزمة، وامتنع من رأى في ذلك سبيلا، وقاطعه من توهم استحالة إجرائه، فإما صامتا تاركا القافلة تعبر إلى غايتها، دون إيذاء للطريق أو عابريها، وإما أنه بالغ في صب الزيت على الصفيح الساخن، لكنه لم يبلغ الجبال طولا.
لاتزال هذه الأرض معطاءة، تؤتي أكلها في كل أزمة مرة، بإذن ربها، مقيدا لها رجالا، لم يختاروا طريق العصابة والفساد، بل انحازوا إلى شعبهم لأنهم من صلبه، لم يتنكروا له، ولم يخذلوه في أحلك المراحل، هم من طينة الشهداء وأشراف المجاهدين، صبروا على الأذى، تحملوا كل ألوان السب، الشتم والغوغاء، لم يثنهم ذلك عن سبيلهم الأسمى قيد أنملة، في إرساء معالم جزائر جديدة، بعيدة عن أية وصاية، شعارهم في ذلك صون الأمانة، وحماية الوطن المفدى.
اليوم وقد رست السفينة إلى مرفأ الشرعية الدستورية، وبداية عهد جديد، مع تحرير الوعي وضخ فكر متشبع بالاختلاف في الرأي بعيدا عن الإلغاء، ها نحن نؤسس لثقافة بناء مجتمع بعيدا عن النرجسية والشخصنة، مجتمعا نموذجيا في السلمية والتعبير، مجتمعا يبهر العالم في قراراته، ويكون الاستثناء فيه ظاهرة، لا ظهيرا، تعجز المخابر عن تحديد غاياته.
ما أحوجنا اليوم إلى تأسيس ثقافة المحبة والاعتراف بالجميل، لكل من ساهم في الحفاظ على استقرار البلد، وتحمل الكيد بشقيه الداخلي والخارجي، وقاد سفينة النجاة إلى بر الأمان، سليمة من العواصف، ورياح الاجتياحات الصديقة والشقيقة.
سيتولى الوافد الجديد إلى قصر المرادية، عبد المجيد تبون مهام القاضي الأول في البلاد، وهو القادم من قصور بوسمغون، متشبع بثقافة أترابه من علماء، وشيوخ التسامح، بأقاصي الصحراء، فإن أحسن لفتة تحفظها له الأجيال وتخلدها الذاكرة، تكريمه لكل من الرجلين الفريق أحمد ڤايد صالح وعبد القادر بن صالح، وهما يشرفان على أداء الأمانة غير منقوصة على قارب نجاة مكلل بالتحايا والثبات، وإن كان التكريم في آخر العمر محبة، فإن إسداء رتبة المشير تليق بالفريق، وهي سابقة للجزائر، وكفيلة بتأسيس ثقافة الاعتراف للأحياء، قبل الممات، لأنه قاد حربا من جيلها الرابع، فيما يمنح أعلى وسام للدولة إلى بن صالح، فهما يستحقان ذلك، وما ذلك عليك بعزيز ولا ببعيد.
حكمة الاسبوع
«علمني كيف أصطاد ولا تعطني سمكة كل يوم »
