القطيعة

سعيد بن عياد
18 ديسمبر 2019

يكتمل اليوم مسار البناء الدستوري باستلام الرئيس تبون مقاليد السلطة وإنجاز الانتقال من مرحلة التردد والترقب طبعها «حراك» حقق أهدافه وأكثر، لما انطلق أصيلا قبل أن تتسرب إليه رياح تحاول الدفع به إلى وجهة لا تخدم مطالب الشعب، الذي انتفض، ضد العصابة التي حاولت في منعرج حاسم اختطاف الشرعية، ثم خرج بأغلبية الناخبين للحسم في الخيار مفضلا تكريس الاستقرار انسجاما مع الإرادة الشعبية، صاحبة السلطة، وإتاحة المجال للبلاد لمجابهة أزمات اقتصادية واجتماعية تلوح في الأفق ولا تتحمل مزيدا من الانتظار.
حقيقة كان للتغيير الذي أنجزته الحركة الاحتجاجية بمرافقة من الجيش الوطني الشعبي بقيادته النوفمبرية، أثره في أنفس المواطنين، الذين يتطلعون لتعميق المسار بحيث يشمل كافة مناحي الحياة وكل القطاعات لإحداث الوثبة الكبرى التي تضمن تجسدي الأهداف التي تحملها الجزائر الجديدة، بما يحقق للأجيال الطموحات المشروعة وللبلاد مزيدا من القوة لتأمين تموقع ناجع في ظل عولمة جارفة، تستهدف السيادة الوطنية للبلدان الناشئة والهيمنة على ثروات شعوبها.
حقيقة أنجزت الديناميكية الشعبية للتغيير لما بدأت في 22 فيفري الماضي الكثير من الأهداف الكبرى التي وفرت المناخ لتجسيد تطلعات الشعب في تصحيح المشهد إعادة ترتيب الساحة على أسس سليمة تجد مرجعيتها في القيم والمبادئ التي يتضمنها بيان أول نوفمبر عنوانها البارز بناء دولة سيدة ذات طابع اجتماعي ينصهر فيها الشعب الجزائري بجميع فئاته وفقا لمعايير العدالة والتضامن وممارسة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كنف سلطان القانون وشفافية تسيير المال العام، الذي بدأ يستعيد حرمته من خلال إطلاق مسار مكافحة الفساد ليشمل كل من تورط في نهب الثروات وتهريب الأموال وكل ما يصنف في خانة خيانة الوطن واستهداف مقدراته.
المعركة اليوم أكبر بكثير من مجرد رفع مطالب مهما كانت مشروعة، ذلك أن الوضع الراهن يتطلب عودة القوى المنتجة إلى مواقعها في كل القطاعات، بأكثر عزيمة في أداء كل واحد لعمله بإتقان ومبادرة وفقا لقناعة راسخة بأن المصلحة الفردية من ضمن المصلحة الجماعية، مع حرص نابع من صميم الوطنية على وضع المصلحة العليا في منأى عن أي تجاذبات سياسة أو اختلافات حزبية، والالتفاف حول خيار محوري تتقاطع فيه تطلعات الأجيال للمساهمة في بناء الوطن وتحقيق الأحلام المشروعة في العيش الكريم، لا فارق سوى الكفاءة.
بالرجوع إلى معالم المرحلة الجديدة يمكن رصد عدد من الضوابط التي تحكم المسار ليبقى في رواقه الأصلي، حيث لا إفراط ولا تفريط في معالجة الملفات الثقيلة، التي تنتظر الحسم بإرادة جزائرية خالصة ترتكز على خبرات وطنية، ينبغي وضع الثقة فيها لتقديم الحلول الممكنة دون إرضاء جهة أو تأثر بأخرى مهما كان مركزها في الهرم، علما أن الرئيس تبون، من بين ما تعهد به إنهاء سلوكات وممارسات سادت في ظل الحكم السابق، وإحداث القطيعة البناءة معها، وليس مع تاريخ الجزائر وموروث شعبها الثقافي والحضاري، وثوابت الدولة الوطنية في الداخل والخارج، دون أدنى تنازل أو صمت بشأن محاولات النيل من السيادة الوطنية، التي تحصّنت مرة أخرى بالإرادة الشعبية المدوية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19635

العدد 19635

الجمعة 29 نوفمبر 2024
العدد 19634

العدد 19634

الأربعاء 27 نوفمبر 2024
العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024