من البديهي أن تقوم حياة كل مجتمع يسعى إلى الرفاهية والتّحضّر والازدهار، على التوازن بين الفكر والتطبيق، وعلى اعتماد المنطق والحكمة والأخلاق الطيّبة في تعامل أفراده فيما بينهم، كخارطة طريق وكذا على الدراسة والتحليل واحترام القوانين وصيانة الحقوق والواجبات. إنّها فلسفة الحياة الاجتماعية التي تتبنّاها العديد من المجتمعات الرّاقية اليوم، وتتغاضى عنها مجتمعات أخرى في طور النمو، معتبرة إيّاها هرطقة وسفسطة، فالأولى تعتمد على المنطق والتّحليل العقلاني في مجابهة المشاكل التي تعترض واقعها، والثانية تجابه مشاكلها بالحلول الدينية والسياسية، مستعينة في ذلك بالأحاسيس والمعتقدات السائدة والمتوارثة، والإيديولوجيات المعتادة التي تعتبرها خطّا أحمر لا يتعدّاه النّقاش.
بإجماع الكثير من الباحثين والمثقّفين، فقد بقيت الفلسفة، في الجزائر، محصورة في نطاقها الأكاديمي تدرّس في الجامعة، وتخط في العديد من الإصدارات، أو تناقش في الملتقيات المناسباتية، فهي، شأنها شأن الدراسات ، في التصوف لا تساير الواقع ولا المتغيرات التي يعيشها المجتمع الجزائري، ولا تناقش مشاكله.
من الصواب أن يعاد النظر اليوم في مناهجنا التربوية والدراسية باعتماد الفلسفة كمادة أساسية تدرس الواقع الجزائري، تحلل اختلالاته وتتعمّق في ايجابيّاته، لأن الفلسفة وحدها من تستطيع طرح أسئلة الماهيات والإجابة عليها. فالمجتمع اليوم بحاجة الى مشروع يوحّد كل الاختلافات العرقية والفكرية والثقافية، يشجّع الجزائري على الرّجوع إلى قيم التسامح واحترام الآخر والتفكير بعقله وروحه لا بقلبه وشغفه وتعصّبه حين يقر بأنّه على حق دون غيره. إنّه يحتاج إلى ما يستند عليه فعلا للمضي قدما في درب التحضر والرقي، إلى قوانين اجتماعية وثقافية ومواثيق يعتمدها في بناء حياته وفقا لمبادئ التّسامح والتّحرّر الفكري والإيديولوجي التي قد تؤسّس لمواطنة تخدم البلاد والعباد.