بغض النّظر عن المطالب المتكرّرة منها القديمة والجديدة المرفوعة في الحراك، فإنّ المطلب المتعلّق بانتخاب رئيس الجمهورية يعلو فوق كل تلك الشّعارات الأخرى انطلاقا من رمزية هذا المنصب في النّظام السياسي الجزائري، وما منحه إيّاه الدّستور من صلاحيات غير مسبوقة في أداء مهامه.
هذا الانشغال الثّابت للأسف غائب عن الجميع، الذين يسيّرون هنا وهناك والكثير منهم يثير قضايا هامشية وجزئية وحتى شخصية ممّا أدى إلى طغيان تلك الأحكام المسبقة على باقي المسائل الجوهرية والأساسية، والتي لا مفر منها وهي انتخاب رئيس للجمهورية مهما كان الأمر والظّروف حتى لا يستمر الشّغور.
والذين ما زالوا يجادلون حول الانتخابات الرّئاسية لا يقدّرون حقّا الفراغ في رئاسة الجمهورية طيلة كل هذه الفترة المقدرة قرابة ٩ أشهر، ونقصد العودة إلى المسار الانتخابي وفق ما أملاه الدستور، أي خلال ٩٠ يوما.
وهكذا ضيّعنا موعدين نظرا للظّروف الاستثنائية آنذاك، واستحالة القيام بأي مسعى في هذا الشأن وهذا لاعتبارات فرضت نفسها آنذاك تطلب التعقل أن يتم تجاوزها بسلام وتركها لموعد آخر تتوفر فيه كل الشّروط الضّرورية، وهذا ما نقف عليه اليوم.
لذلك علينا أن لا نشوّش على هذه المحطّة التّاريخية والحاسمة في مسيرة بناء الدولة الوطنية القوية، المستمدّة من مبادئ أول نوفمبر لإعادة الجزائر إلى مسارها المشع والمعترف به دوليا، وترقية الأداء الداخلي ومفهوم التّنمية الشّاملة المبنية على التّوازن الجهوي، تكافؤ الفرص، التّضامن والعدالة الاجتماعية. قيم لا يمكننا التخلي عنها مهما حاول أولئك الخبراء في الاقتصاد إلغاء الدّعم والتحويلات الاجتماعية.
هذا هو الإطار العام للدّولة الجزائرية التي يراد لها أن تواصل على هذا المنوال ما بعد ١٢ ديسمبر مهما كان الرّئيس القادم، لإنجاز الأهداف الكبرى المراد لها أن تتوجّه مباشرة إلى المواطن في الجزائر العميقة.
لذلك علينا مرّة أخرى أن لا نقع ضحية ذلك الخطاب الأديولوجي العنيف الذي يحمله البعض بإيعاز من أحزابهم، نقاباتهم، منظّماتهم وجمعياتهم الذين للأسف يسعون لضرب الموعد القادم، وهذ بدعوة الناس للتّظاهر في ذلك اليوم، ومثل هذا الفعل غير معقول وغير مقبول من كل أحرار هذا البلد، الذين يريدون الخروج من هذا الوضع في أقرب وقت، زيادة على أنّ السّلطات العمومية تعهّدت بأن تحمي هذا الموعد باتّخاذ كل الإجراءات الضّرورية لذلك في الطّرق، الشّوارع، الأحياء ومراكز الانتخابات.
كما لا يحق لأي كان أن يمنع المواطن الجزائري من أداء واجبه باستعمال وسائل التّخويف أو التّرهيب للحيلولة دون توجّهه إلى صناديق الاقتراع، هذا مخالف للقانون ولن يسمح به أبدا، ولن تكون الفرصة مواتية لأولئك الذين اعتادوا تخريب مكاتب التّصويت في جهات معروفة، وهذا بوجود الآليات الضّامنة للعملية الانتخابية حتى تخرج الجزائر منتصرة هذه المرة، وكما اعتادت على ذلك.