بين الاحتجاجات التي تشهدها بعض الدول العربية هذه الأيام وما شهدته بلدان ما يسمى بـ «الربيع العربي» بداية من سنة 2011، نقاط تشابه وتقاطع كثيرة، لكن بينهما أيضا نقاط اختلاف وتباين كبيرة، فصورة الشباب الغاضب المنتفض اليوم ضدّ الأنظمة التي تحكمه، والمطالب بإحداث التغيير الجذري، هي ذات الصورة التي تناقلتها وسائل الاعلام العالمية قبل نحو عقد من الزمن لجموع المتظاهرين الذين ملأوا الشوارع والساحات في كلّ من تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن داعين لتنحية القيادات التي تحكمهم بعد أن عمّرت لعقود طويلة دون أن تحقّق من الإنجازات غير العجز والإخفاق وشحن رعاياها بكمّ هائل من السخط والكره واليأس.
ذات الغضب الشعبي الذي تفجّر في نهاية 2010 بمدينة سيدي بوزيد التونسية لتمتدّ شظاياه إلى دول أخرى غرقت للأسف الشديد في أنهار من الدماء، نشاهده اليوم في لبنان والعراق، ففي كلا البلدين، خرج المتظاهرون يطالبون بتحسين أوضاعهم الاجتماعية التي جنى عليها تسونامي الفساد والرداءة، وتنحية القيادات الحاكمة وتغييرها بمن يكون أكثر كفاءة ونزاهة، وبهذا يتشابه ما يجري في أرض الرافدين وبلد الكرز بما شهدته دول ما يسمى بالربيع العربي، لكن الفارق أن الحراك الذي يهزّ بعض الدول العربية هذه الأيام يختلف في الشكل والمضمون عن الحراك الذي عرفناه قبل نحو عشر سنوات، حيث يتجلى بوضوح أن الشباب العربي تعلّم الدّرس جيّدا ولا يريد أن يقع في العنف الذي أدخل أكثر من دولة في حروب دموية لم تنطفئ نيرانها بعد، لهذا يرفع المحتجّون شعار السلمية ويظهرون نضجا سياسيا ووعيا أخلاقيا كبيرا.
لقد حدّد الشباب المنتفض في شوارع لبنان والعراق وغيرهما أهدافه بدقّة، ورغم أن العنوان العريض لاحتجاجاته هو التغيير، فإنّه هذه المرة لا يريد لهذا التغيير أن يتحقّق لا بتدخّل خارجي ولا بقوّة السلاح أو إراقة الدماء، بل على العكس تماما، فهو يصرّ على التظاهر السلمي وبالمثل تتصرّف السلطة الحاكمة التي تتعامل بحكمة ورويّة مع هذا الطارئ الذي ألقى من قبل، بأشقاء كثر في دهاليز الحروب الأهلية المدمّرة.
الشباب اللبناني والعراقي الذي يقود الحراك اليوم، هو أكثر نضجا ووعيا بأسباب مآسيه ومتاعبه، لهذا حدّد العلاج لأسقامه ورفع صوته عاليا يصدح بنبذ الطائفية وتجاوز كابوس الوصاية والتحرّر من التبعية والارتهان للخارج، واجتثاث ظاهرة الفساد.
أكيد أن بين حراك الأمس واليوم أوجه شبه كثيرة، لكن المؤكد أن الشعوب العربية استلهمت الدروس جيّدا وهي تسعى للتغيير الهادئ البعيد عن العنف والسقوط في فخّ الاقتتال والحروب.