نقاش ساخن فتحته السّلطات العمومية حيال آفاق عمل الجماعات المحلية من الآن فصاعدا، وبالتّحديد من زاوية تسيير هذه الفضاءات تسييرا مطابقا لسياقات البلد الاقتصادية، ونقصد هنا الجانب المالي، استنادا لما تحوز عليه من مداخيل، أملاك وإمكانيات أخرى متاحة أمامها، ترى الجهات المسؤولة أنّه بإمكان هذه «الكيانات» أن تأخذ مبادرة الاستقلالية في هذا الجانب، وتبتعد عن الرّوح الاتّكالية والاعتماد على البقرة الحلوب حتى لا يجف ضرعها.
هذا الملف الحسّاس المطروح اليوم في الوسط المحلي قد لا يستسغيه بعض المنتخبين المحليّين، الذين قد يعتبرون ذلك مستحيلا وحتى وهميا إذا ما استندوا إلى قراءتهم المتعوّدين عليها، والتي مفادها أنّ العادة طبيعة ثانية، أي لا يمكن لهم التخلي عن ما تضخّه الدولة من أموال لصالحهم قصد التّكفّل بانشغالات البلدية ماديا وبشريا، أمّا ما بحوزتهم من ثروة لا يعيرونها أدنى اهتمام، هذا فعلا ما أدّى إلى التّراجع الرّهيب في الاداء المحلي ووصوله إلى ما اصطلح على تسميته بـ «العجز المالي للبلديات».
نفتح هذا الملف من باب الاطّلاع على رأي المختصّين في هذا الشّأن عبر الجزائر العميقة، وحتى المنتخبين على المستوى المحلي لتكون عبارة عن إجابات شافية ووافية للإشكال المطروح في ذهنية رؤساء المجالس الشّعبية البلدية، انطلاقا من النّصوص التّنظيمية المعدّة لهذا الغرض لاحقا، والتي ما فتئت تتوارد على لسان مسؤولي وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتّهيئة العمرانية.
والتّخوّفات الصّادرة عن البعض مشروعة، من باب أنّها تجربة جديدة وفريدة لم نقف عليها من قبل منذ إرساء قواعد العمل في المجالس البلدية في 18 جانفي 1967، بعد كل هذه العقود حتّم الوضع الرّاهن إدخال تغييرات جذرية على أساليب التّسيير، وهذا بإدراج البلدية ضمن التّوجّه القائم على التّمويل الذاتي الآتي من مصادر ثابتة وأخرى متغيّرة.
وعليه، فإنّ مثل هذا الخيار الحتمي يستدعي إعداد أرضية للخوض في هذه التّجربة منها:
أولا: الالتزام بفترة انتقالية ونعني بذلك التّحضير اللاّزم لدخول هذه المرحلة من النّاحية النّفسية.
ثانيا: جرد عام للموارد المادية والبشرية للبلديات حتى يمكن تصنيفها حسب الأولويات (غنية، عاجزة) أو تملك قدرات الانطلاقة.
ثالثا: المرافقة الذكية عن بعد، مع الإبقاء على صندوق الجماعات المحلية لامتصاص الأضرار النّاجمة عن المحاولات الأولى.
رابعا: إدخال تغييرات جذرية على التّركيبة البشرية للمجالس الشعبية البلدية، وهذا بمنح الأسبقية لذوي الشّهادات والكفاءات والمهارات العلمية القادرة على أن تكون في هذا المستوى المطلوب والمفروض في آن واحد.
هذه النّقاط المختصرة تتبعها إجراءات أخرى تسعى الجهات المعنية أن تكون حاضرة وجاهزة في الوقت المناسب كي تتوضّح الرّؤية أكثر فأكثر، ولن تتعرّض هذه التّجربة إلى انتكاسة أو تعثّر في حالة لم نأخذ بعين الاعتبار العوامل الأساسية أو بالأحرى الرّكائز الضّرورية لانطلاقة مرضية تحظى بالإجماع في إطار ندوة وطنية جامعة للمنتخبين المحليّين.