كلمة العدد

مخاض التغيير

فضيلة دفوس
22 أكتوير 2019

مازال وطننا العربي يحتل المشهد الإعلامي العالمي ليس بما يشهده من تطوّر وإنجازات وتقدّم، وإنّما بما يعيشه من اضطرابات وأزمات وحتى حروب.
اليوم مثل الأمس وقبله، أينما تولي وجهك على طول المساحة العربية الشاسعة تشهد أوضاعا غير مستقرّة تمتدّ خطورتها في بعض الأحيان الى نزاعات مسلّحة وتدخلات عسكرية خارجية وحروب بالوكالة  تتطاير شظاياها هنا وهناك لتوزع مآسيها على أكبر عدد من أبناء هذا الوطن الكبير الذي لم تعد تجمعه اللغة الواحدة والدين المشترك فقط، بل أصبحت حياته تتشابه بفعل ما يواجهه من شظف العيش وضغوط إجتماعية واقتصادية  لامتناهية أنتجتها تراكمات سنوات طويلة من سوء التسيير  والفساد والنهب الخارجي لثرواته التي لوتوفرت لدول أخرى لقفزت بفضل استغلالها الحسن الى مقدمة الاقتصاد العالمي.
يحزّ في أنفسنا أنّنا في الوقت الذي نرى فيه الهدوء والاستقرار يعمّ معظم أرجاء العالم الذي تنهمك بلدانه في العمل والتنمية،حتى أن بعضها تمكّن خلال عقود معدودة من تحقيق معجزات اقتصادية حقيقية،  نقف بالمقابل على واقع مرير تعيشه الشعوب العربية التي نراها اليوم وقد انفجرت غضبا تملأ الشوارع مطالبة بالتغيير الشامل الذي يخلّصها من كابوس سلطة فشلت في تحقيق تطلّعاتها وقادتها من حيث تدري أو لا تدري إلى الهاوية.
وبالرغم من اعتقاد البعض بأن ما تشهده ساحات وشوارع  لبنان والعراق وغيرهما من احتجاجات هوحلقة جديدة لما يسمى بـ«الربيع العربي» الذي عرفته الكثير من البلدان العربية بداية من سنة 2011، فإنني أفضّل ان أبتعد عن هذا المسمّى لأن الربيع في اعتقادي لا يمكنه أبدا أن يأتي بالمآسي التي شهدناها ولازلنا، تعصف بالدول وتزلزل كيانها وأمنها وتزجّ بها في حروب مدمّرة وخير مثال سوريا الجريحة وليبيا التي لازالت غارقة في أتون الاقتتال الداخلي الذي تؤججه أطراف خارجية همّها الوحيد الاستحواذ على ثرواتها.
ورغم بعض المخاوف المشروعة التي تسكننا خشية أي انزلاق للوضع في لبنان أوالعراق، فالظاهر جليّا ان الشعوب العربية استلهمت الدرس  جيّدا من الكوارث التي حملها الربيع الدموي،وهي مدركة جيّدا للمخاطر المحدقة بها وتعلم جيدا بأن العيون تترصّدها من الخارج لتحريف مسار احتجاجاتها وربّما لإلهاب الوضع وتحويله الى حرب قد يعلم الجميع بدايتها، لكن لا أحد يدرك نهايتها ونتائجها.
الشعوب العربية حدّدت اليوم أهداف انتفاضاتها بدقة، وهي تنشد التغيير السلمي الذي يحقّق أمانيها في العيش الكريم وليس الاحتراق بنيران الحقد والكراهية، والكرة  تبقى في يد السلطة الحاكمة للاستجابة بحكمة ورويّة لمطلب الشارع، وأملنا كبير في أن تجربة دولة السودان الناجحة في الانتقال الديمقراطي السلمي، وقبلها تونس التي تمثل أنجح نموذج للتغيير السلس في الوطن العربي ستتكرّر في باقي الدول التي  تعيش مخاض التغيير.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024