التّحدّي الصّيني

فنيدس بن بلة
01 أكتوير 2019

طفرة اقتصادية غير مسبوقة، حقّقها البلد الأسيوي الذي قيل عنه ذات يوم «عندما ينهض يهتز العالم». 70 سنة مرّت، تحقّقت هذه المقولة وصار الصين مضرب المثل في التطور والبناء، معتمدا على ذاته في كل شيء، محدّدا بدقة غير منتهية الأهداف والغايات عبر مخطّطات حسب الأولوية والاحتياج والرؤية الاستشرافية.
لم تشعر الصين بالعقدة في التعامل مع الآخر، لم تحاكيه وتتباهى بنموذج حياته وتذوب في تجربته، لكنها ظلت دوما حريصة على خصوصيتها جاعلة من الاشتراكية منهجا لبلوغ العلا، عكس دول اشتراكية كثيرة ثارت على هذا النهج، ورأت فيه سبب تخلّفها عن الركب وسقوطها الحر في الجمود والفوضى.
لم يدر بلد التنين الأصفر ظهره لماضيه، ويتنكّر لإخفاقات تاريخه السابق، لكنه أخذ مسيرة حضارته الممتدة لأزيد من 5 آلاف سنة، محطة انطلاق نحو الأحسن والدخول إلى المسرح الجيو استراتيجي الدولي للتباري من أجل فرض الوجود والتفوق.
فكانت النتيجة المحقّقة بعد مسار سبعين سنة، مذهلة إلى درجة جعلت كبار محلّلي السياسة الدولية يتساءلون في حيرة ماذا بعد هذه المعجزة؟ هل بقي للصين من إستراتيجية لإنجازات أخرى، وهي التي نجحت في كل شيء، وباتت تجربتها تدرّس في أكبر الكليات ومراكز السياسة والاقتصاد؟
نقول هذا، استنادا إلى حقائق الأشياء والأرقام التي تحمل أكثر من دلالات، وتغني عن ألف وألف تعليق.
اقتصاديا تحتل الصين ثاني مرتبة عالمية مسجّلة إجمالي ناتج اقتصادي بحوالي 13,7 تريليون دولار أمريكي، ولها احتياطي صرف أجنبي يتجاوز 3 تريليون دولار، أهّلها لأن تكون الأولى عالميا في وقت تغرق فيها كبرى الدول الليبرالية التي كانت تتباهى بتجربتها، وتحاول فرضها بالقوة على الآخرين في أزمة هيكلية عميقة تفرض إصلاحات جذرية لا تقبل التأجيل.
العظمة الصينية التي يعترف لها الخصم قبل الصديق، اكتسبتها أيضا دبلوماسيا، من خلال تعاملها مع المحيط برؤية مغايرة، وشراكة تقوم على مبدأ تقاسم الربح والأتعاب. وهي علاقة زادتها صلابة مبادرة «الحزام والطّريق» التي تجاوبت معها دول كثيرة ومنظّمات، دون نسيان المنتديات المفتوحة مع أفريقيا، العالم العربي ومجموعات أخرى.
بعد كل هذه الانجازات، يرد كل صيني في إجابته على سر المعجزة التي أرسى قواعدها «ماو تسي تونغ»، يوم الفاتح من أكتوبر 1949، المشهود، وعزّز بنيانها، «دانغ كسيابينغ»، وسار على نهجها قادة آخرون، أنّ ما تحقّق جزء يسير من الكل وهناك أشياء كثيرة لم تبلغ،  ما تجسّد ليس الغاية في حد ذاته، بل محطة نحو مكاسب وإنجازات  الحلم المفتوح والمتطلّع للأفق بعيدة في الزّمن الصّيني وتحدياته.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024