لم يتغير شيء في وضعية المثقف الجزائري، فمازال في موقف المهمش المتتبع من بعيد للأحداث، والمعلق عليها من منبره دون السعي إلى أن يكون طرفا فاعلا فيها. هو المثقف الذي من شأنه أن يحدث التغيير، وأن يسخّر موهبته لتهذيب الذهنيات والدفاع عن كل ما يخدم إيجابا مصلحة المجتمع والوطن، يعيش هذه السنة أيضا، العزلة التي اعتادها منذ عشريات خلت.
فهو الغائب والمغيّب عن الساحة السياسية وعن دوائر القرار منذ سنين...لا يسمع له صوت ولا تطلب استشاراته في قرار أو مشروع قانون، ولا يؤخذ رأيه بعين الاعتبار في القضايا المصيرية. ويكتفي هو الآخر بأن يتحدث عن موهبته مناسباتيا في معرض الكتاب إن كان روائيا، شاعرا أو كاتبا وفي مهرجانات الفن والغناء إن كان مغنيا أو مطربا، أو في تظاهرات الفن السابع والرابع إن كانا ممثلا أو مخرجا أو ونادرا في بعض معارض الفن التشكيلي إن كان رساما أو نحاتا أو مصوّرا فوتوغرافيا.
وغير هذا أو ذاك نجده ولمن خالفه الحظ، محط اهتمام بعض الحصص الإعلامية بالقنوات التلفزيونية أو الإذاعية والأركان الثقافية بالجرائد والصحف الورقية أو الإلكترونية، وكذا نجده يصنع مجده بنفسه في مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحاته المتعددة.
غياب النخبة عن المشهد السياسي وعدم اهتمامها بدخول هذا المعترك. وفرض وجودها فيه وسد الطريق أمام الرداءة وتدني المستوى الذي أصبح الحال عليه وعدم تواصلها، أدى إلى خلق نوع من اختلال التوازن انعكس بسلبية خطيرة على المجتمع برمته، حتى تعالت أصوات مناهضة للثقافة تطالب بإلغاء المهرجانات والملتقيات، وترى فيها مضيعة للوقت والمال العام، وهي لا تعي أن تغييب الثقافة عن المجمع هو الحكم عليه بظلمات الجهل وتغييب التسامح ولغة الحوار.
وتبقى المسؤولية في هذا الوضع المتردي والفراغ الذي أحدثه تغييب المثقف أو عدم اكتراثه للمشاركة في الحياة السياسية متقاسمة بينه وبين من همّشه، فعليه خوض المعترك والمطالبة برد الاعتبار وفرض نفسه بقوة من أجل خلق ديناميكية فكرية وفنية وأدبية من شأنها أن تنير الطريق أمام أفراد المجتمع للخروج بالبلاد إلى نور الرفاهية والاستقرار.
