حصاد الخميـس

بلماضي، الغزالة وسفينة نوح

بقلم : نور الدين لعراجـــي
31 جويلية 2019

تذكرت في هذه الوقفة، إجابة المدرب جمال بلماضي في رده على صحفية سنغالية أرادت استفزازه بسؤال محرج، يتعلق بعدم دعوته كل عناصر الفريق الوطني في «كان القاهرة «، فأجابها قائلا «هذا ليس عرس اختي حتى ادعو إليه الجميع « والحديث قياس كما يقال، كم كان هذا الرد كافيا، ليصمت كل اشباه الفلك المشؤوم، فهذه الجزائر برمتها، لا تمثلها جماعة البريد المركزي ولا ساحة موريس اودان، الجزائر أكبر بكثير من هذا وذاك.
الموقف نفسه يحيلني إلى دعوة القيادة العليا للجيش في التمسك بخيار الحوار، كمخرج من الازمة، والتعجيل بالذهاب الى انتخابات رئاسية سيدة، تكون فيها السيادة للشعب، وليس غير الشعب، ولعله موقف يشبه تلك الدعوة التي دعا بها سيدنا نوح عليه السلام قومه، «في نص الآية الكريمة « إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا « فالموقف هنا مرتبط بذهنيات أطراف لا يعجبها أي مخرج سلس، يساهم في تذليل العقبات، وكلما بان بصيص آمل إلا وتعجرفت هذه الاطراف التي وصفها الفريق قايد صالح بالعصابة، في كل مرة توجه فيها السلطة، الدعوة إلى الحوار تختلق أعذارا واهية، فتارة التضييق على المسيرة، ثم إطلاق سراح الموقوفين، وهكذا دواليك.
الدفع بعجلة الحوار إلى مراحل متقدمة سيمنح البلد صمام الأمان، ويخرجه من دائرة التردد والسيسبانس، فالقيادة العليا للجيش ليس لها طموحات سياسية، سوى خدمة الوطن ومصالحه العليا، والعين التي ترى بها الأشياء الضامرة والداكنة، لا يمكن للأعين الاخرى رؤيتها، أو تفسيرها ولا فك رموزها، وعندما يتحدث الجيش فإن الامر ليس خبط عشواء، أو أقاويل، أمليت لهم، بل هي تقارير استخباراتية يشتغل عليها أحفاد بن مهيدي، بن بولعيد وعميروش.
دعوني أضرب لكم مثلا عن ما يحدث في المشهد السياسي اليوم، وهو شبيه بحكاية تلك الغزالة التي جاءها المخاض واقتربت ولادتها، « فحملت نفسها إلى مكان بعيد من الغابة قرب نهر، فجأة وهي تلد بدأت السماء ترعد وتبرق، ما تسبب في نشوب حريق مهول بالغابة، تطلعت عن شمالها، رأت صيادا يحاول رميها بالسهم، تطلعت عن يمينها وإذا بأسد جائع يقترب ليفترسها فاحتارت، إما أن تموت بين مخالب الأسد، أو برمية الصياد، وإما تحترق في الغابة، وإما أن تغرق في النهر، المخاطر في كل الاتجاهات وليس لها مفر أو خلاص، قررت أن تفعل ما تقدر عليه، ركزت في ولادتها، وفي هذه الأثناء، أعمى البرق الصياد، خرج السهم الذي كان متوجها نحوها، فأصاب الأسد الجائع فمات».
الغزالة تشبه الجزائر والحمل العسير هنا الذهاب إلى انتخابات رئاسية، أما السهم فهو تربص الأعداء، والحريق هم أزلام ألعصابة، أما الاسد فهي فرنسا الاستعمارية التي لم تحفظ الدرس جيدا.
الجزائر تعيش في سابقة من نوعها، وكأن أقدار العالم الثالث، غيرت مسارها فكنا الاستثناء في كل شيء، قيادة الجيش تصر على الحوار كمخرج، ورفضها الدوس على الدستور، فيما تطالب بعض الأحزاب والشخصيات بالذهاب إلى مجلس تأسيسي، ومرحلة انتقالية، وهما وسيلتان تلجأ إليهما الأنظمة الشمولية،فالذين يريدون منع إجراء الانتخابات، هم أنفسهم الأشخاص الذين استولوا على السلطة في سابق العهد عن طريق التزوير، وبالتالي لا تعجبهم السبل الديمقراطية، وهم في اللحظات الأخيرة من موتهم الموسمي لأن سفينة الجزائر أبحرت ومن ركبها فهو آمن.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024