تجسيد إصلاح العدالة مسؤولية القاضي

سعيد بن عياد
04 فيفري 2014

تمثل السلطة القضائية إحدى ركائز بناء المجتمع على أسس الحريات والديمقراطية، ومن ثمة كان مسار الإصلاح الذي باشرته الدولة منذ سنوات من أجل الوصول إلى مستوى راق للأداء القضائي، فعالجت المسائل التشريعية والإجرائية، وحسنت من أوضاع القضاة المهنية والاجتماعية، لتصبح الكرة في مرمى الممارسين للقضاء الذين يتوقف عليهم مدى نجاح المسعى. وبالفعل فإن الجودة في العمل القضائي وفقا للمعايير التي تكرس قيمة العدالة والإنصاف، تنبع من مدى التزام القاضي بتجسيد تلك الأهداف الكبرى للإصلاح، ليس بالحرص على التطبيق الموضوعي والسليم والشفاف للقانون فقط وإنما أيضا بالسهر على تمرير رسالة العدالة وتعميم ثقافة القانون على مستوى جلسات المحاكمة بالممارسة الاحترافية والإقناع.
قبل مدة وقفت على مثال نوعي قدمه أحد القضاة مرتيل محمد وهو يترأس إحدى جلسة محاكمة بمقر مجلس قضاء المدية مرفوقا بتشكيلة متميزة، فحول المحاكمة إلى جلسة تربوية اعتمد فيها أسلوبا بيداغوجيا راقيا، متجاوزا الإطار التقليدي لمحاكمة أطراف القضية المعروضة، ليشد إليه انتباه واهتمام كافة الحاضرين بهدف إشاعة وتوسيع رقعة المفاهيم القضائية، فاستفاد المعنيون وكذا الحاضرون ممن يهتمون بأحوال المجتمع في تدعيم معارفهم وثقافتهم القانونية.وبمثل هذا الأسلوب تتحول المحاكم والغرف القضائية من مجرد مواقع للنطق بالأحكام إلى محطات للتربية بما يعزز الوقاية من الجريمة بكل أنواعه، حيث تجتمع الصرامة بالتوعية.
لا تهم القضية من حيث الموضوع لأنها تتعلق بالنظر في اتهام طرف لآخر بالتزوير، بقدر ما يهم جانب تصرف القاضي مرتكزا على دراية واسعة للحياة الاجتماعية في تلك المنطقة حيث تسود التقاليد إلى درجة تتجاوز قوة القانون وتهيمن الانتماءات العروشية بشكل متين خاصة في أوساط العائلات الريفية.
وبهدوء مثير للانتباه وصبر على تدخلات المدعي والمدعى عليهم ومناورات الدفاع، كل يسعى للفوز بالقضية في إطار القانون، أبان الرجل النموذج عن وجه سليم للعدالة متجاوزا إطار القانون المجرد من الاعتبارات النفسية والاجتماعية والثقافية للمعنيين، ليعطي لها كامل ما تستحق، فقدم درسا حول التزوير مدققا في أهمية الالتزام بالقانون ومحذرا من اللامبالاة في التعامل مع الوثائق الرسمية، من بينها الفريضة بالنسبة للمواريث وضرورة تفادي الغش واحترام قيمة الشهادة.
وبدا صاحب القضاء الجالس حريصا على تقديم وجه مشرف للعدالة، بما يعزز قيمتها ويبدد الريبة والحذر، إلى درجة انه وقفي أكثر من مناسبة في وجه ممثل النيابة العامة أو القاضي الواقف، منبها إياه أن القانون فوق الجميع وان القضية مهما كانت تكتسي أهمية بالنظر للأطراف على بساطتهم كمواطنين يجب أن تترسخ في أذهانهم قوة العدالة وقيمتها عن قناعة وثقة. وليس أفضل من القاضي بمثل هذا الالتزام والتفاني والجدية من يجسد حقيقة قضاء نوعي وجواري كفيل بوضع المواطن مهما كان مركزه الاجتماعي على درجة عالية من التقدير والحرص بنفس العزيمة على تطبيق القانون، وهي الصورة التي ينبغي أن تسود المحاكم.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024