قراءة الدستور في مواده المتعلقة بإنتخاب رئيس الجمهورية تسير في الإتجاه الصحيحي لتعود هذه المؤسسة الرمز إلى أداء مهامها السياسية والصلاحيات المخولة لها وفق ما تقتضيه تلك «الوثيقة» في أقرب وقت ممكن لتفادي كل ما من شأنه الدخول في نقاشات عقيمة لا فائدة من ورائها.
للأسف اليوم هناك أصوات تتعالى من هنا وهناك ما تزال تتمادى عمدا في التفسير الخاطئ للشق المتعلق بإنتخاب رئيس الجمهورية بطريقة ملتوية وهذا بفرض الفراغ المؤسساتي، ثم الذهاب إلى التصور المطروح الصادر عن هؤلاء وكل حديثهم يتلخص في المرحلة الإنتقالية بشكل ضمني قد لا تتفطن له بحكم ميزة الإستماع تجاه الآخر وقدرتهم في نقل تفاصيل دقيقة عن الموضوع، نحتار أحيانا في مصدرها، هل الأنترنت أي الفضاء الأزرق أم هي مملاة من جهات مجهولة تتابع أوضاعنا عن قرب بالمجهر وبالمنظار الميداني وفي كل مرة تطلق العنان لتلك المعلومات المشوشة على مسار التسوية السليم في الجزائر.
وقد إزدادت حدة تلك الهجمة الكلامية الشرسة يوم ٩ جويلية بتصعيد اللهجة تجاه ما هو قائم حاليا منصبين أنفسهم أهل الحل والعقد وأصحاب الشرعية في مخاطبة الآخر مستعملين عبارة غريبة مفادها «لا يحق لفلان أن…» و«لا يحق لعلان أن…» فمن خوّل لهذه العصب أن تمنع فلانا وعلانا من ممارسة مهامهم الدستورية.
نعتقد بأن جوهر النقاش يكمن في الأبعاد الآنية والمستقبلية وهي إسقاط البلد في الفراغ المؤسساتي وإعادته إلى «العصر الحجري» يدعمون ذلك بالحكم الإنتقالي البعيد كل البعد عن الشرعية الدستورية كما هو معمول به حاليا فماذا يعني «مجلس رئاسي»؟ وغيره من الصيغ المقترحة عندما كان الحراك شعبيا وليس نخبويا متحزبا ومتطرفا بإسم شعارات تردد منذ ١٩٨٨ وفي مرحلة التسعينات وتعود كل جمعة اليوم.
إنه مخطط جهنمي أصحابه لا ينامون طمعا في تحقيق مآربهم غير المحدودة شعارهم المواجهة بدلا من البحث عن القواسم المشتركة لحلول عملية لفائدة الجزائر.
إن الإرادة الوطنية اليوم أقوى من أي وقت مضى وعليه فإن خيارها لا غبار عليه في تجاوز هذه المرحلة الحساسة من تاريخ بناء الدولة النوفمبرية بقيمها الضاربة في أعماق الإنسان الجزائري من عدالة إجتماعية، تضامن، تكافؤ الفرص، المساواة، الإنصاف، هذه مضامين بناء المؤسسات لا يمكننا الحياد عنها مهما كان الأمر وما يقال اليوم من كلام غير مسؤول من لدن البعض باسم الإصلاحات الأليمة وغيرها يبقى مجرد رأي كوننا عانينا الأمرين من تلك الإصلاحات منذ بداية التسعينات.
واليوم، فإن العمل الجبار والتاريخي الذي تنجزه العدالة يندرج في إطار هذا التوجه القائم على نسق سير واحد في تكامل بناء المؤسسات بعيدا عن الفراغ وهذا ضمن مفهوم جديد لمهام الدولة تبدأ أولا بالعون المطلوب منه أن يتصف بأوصاف أخرى غير التي كانت سائدة منها الثقة، الديمومة، الإخلاص، فمسافة ألف ميل تبدأ بخطوة.