استطاعت سلمية الشعب الجزائري التي تحلى بها خلال 4 أشهر كاملة من المظاهرات المنتظمة كل جمعة تغيير الأفكار المعلّبة والانطباع السائد على أنه شعب يتسم بالعنف والتهور، بل إن الكثير من تلك الأفكار لم تحيّن منذ العشرية السوداء، حين كان البعض يعتقد والبعض الآخر يسوّق بأن كلمة جزائري تعني العنف والإرهاب ولكن لا أحد أنصف هذا الشعب وقال بأنه كان ضحية ظاهرة دولية عابرة للحدود واجهها بكل شجاعة فكانت له الغلبة واستعادت الجزائر أمنها وعافيتها ؟ .
مفعول تلك الأفكار الجاهزة والمعلبة لم ينته إلى غاية بداية حراك 22 فيفري وبينما اعتقد حينها الكثيرون أن بلادنا ستنزلق مجددا في دوامة العنف والفوضى، خيّبت حكمة وخبرة الشعب الجزائري أحلام هؤلاء وبفضل الله لم ترق قطرة دم ولم تزهق أرواح بعد 4 أشهر كاملة من الحراك الشعبي وهذا كله بفضل السلمية التي تحوّلت إلى عقيدة لدى المتظاهرين وإلى احترافية قواتنا الأمنية التي لم تلجأ هي الأخرى إلى العنف والقمع و إلى مؤسستنا العسكرية التي رافقت هذا الحراك وأصغت إلى نبض الشارع.
كلها توابل اجتمعت لتفرز تلك المشاهد الرائعة التي اختلطت فيها مشاعر حب الوطن باستعادة الأمل وجذوة النضال من أجل مستقبل هذا الشعب الذي كابد واصطبر ليس خوفا ولا خنوعا ولكن حتى لا يكتوي مرة ثانية بالسقوط في المجهول؟ مما يدل على المسؤولية، النضج والوعي الذي وصل إليه، فهو لا يريد الخراب ولكن يريد اللقاء مع الأمل والحياة من جديد فكانت الهبة سلمية تعرف ما تريد.
أمامنا فرصة تاريخية للاستثمار الدبلوماسي في هذا الحراك السلمي لاستعادة صورة الجزائري في الخارج الذي كانت تغنيه سمعة ثورة نوفمبر عن كل بطاقات الهوية والتعريف ولكن السنوات الخداعات التي عاشتها البلاد عتّمت تلك الصورة التي نفض الحراك عنها الغبار واكتشف العالم ذلك الجزائري الحر الذي يعرف كيف يكيّف نضاله حسب الظروف، فعندما احتاج إلى السلاح لطرد المستدمر من أرضه رفعه وعندما أراد تغيير منظومة الحكم رفع شعار السلمية والثبات عليها إلى غاية تحقيق المطالب إلى درجة أن العالم أجمع ينادي بمنحه جائزة نوبل للسلام، بالفعل أصبح هذا الشعب سفيرا للجزائر في كل دول العالم ؟.