عبادو المجاهد والإنسان

نورالدين لعراجي
14 جوان 2019

ظل المجاهد سعيد عبادو يحمل جينات الرجل الأصيل البسيط، القادم من طيبة رجال الصحاري والزيبان ، لا يتحدث كثيرا.. ، يسمعك اكثر مما يتحدث ، فلا يرد إلا لماما ، وحين يتدخل  إما مدافعا عن كينونة الوطن والذاكرة التاريخية ، وما دونها فلن تسمع له همسا، سريع البديهة ، هي ميزته وصفاته رافقته خلال مسيرة حياته ، الى غاية ان هاله المرض وظهرت علاماته ، فقلت حركته، وأفل نجمه قليلا ، في المناسبات الوطنية وغيرها، حتى حضوره الى شارع غرمول لم يكن كما كان في سابق عهده، ذلك لان المرض أخذ منه مأخذ الإعياء فلازمه الحياء.
عبادو يحمل في كنفه سيرة مجاهد ارتمى في احضان الثورة المظفرة، فكانت الولاية السادسة التاريخية، ملاذه وبيته الى غاية الاستقلال، صال وجال مناطقها من حدود حد الصحاري شمالا الى غاية طالب العربي بوادي سوف اقصى الجنوب، ومن أمدوكال وجبل بوكحيل الى ذراع الميعاد غربا، نقطة التقاء الولايات، وحينما امتدت مهامه الى حدود ابعد كانت محطة غرداية اخر مرتع له قبل سجنه سنة 1961، رافق قادة تاريخيين امثال العقيد شعباني، سي شريف، الرائد حاشي، عمر ادريس، سي زيان، صخري، لعجال، سي جباري، رزيق، الرائد عبد الرحمان وغيرهم من قادة الثورة.
لم يتخل عبادو عن طيبته منذ محطات الكفاح الاولى الى غاية الاستقلال، وظل وفيا على الدرب لم يغير ولم يتغير، لانه من جيل تربى في قمم الجبال، وعاش محطات البؤس والخوف، ثم البعد عن الاهل وملاحقات العدو، فلازمته هذه الاخلاق كغيره من اشاوس جيل نوفمبر وما بدلوا تبديلا.
لعل اولى محطة جمعتني بالفقيد وهو وزير للمجاهدين في 31 اكتوبر من سنة 1995 بنادي الصنوبر، عندما قرأت اللائحة السياسية في المؤتمرالاول للمنظمة الوطنية لأبناء المجاهدين والذي كنت فيه مقررا، وعند توقفي عند جملة “ عدم السماح بعودة الاقدام السوداء والحركى بغرض السياحة “، كررت هذه الجملة ثلاث مرات، وعند نهاية تدخلي، صافحني قائلا:« لا خوف على الجزائر لأنكم فيها خير الخلف “.
ظل وفيا لحزب جبهة التحرير الوطني الى غاية تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان احد مؤسسيه رفقة رفيق دربه الرائد عمر صخري، ممثلين عن منظمة المجاهدين، لكنه شعر ان الحزب انحرف عن خطه الاول، فانحاز الى الظل قليلا وبقي متابعا من بعيد، خاصة بعد تصريحات الامين العام الاسبق اويحيي ومواقفه السلسة الغامضة من ملفات  الحركى والأقدام السوداء، وكنت سألته يومها في زرالدة وهو يتوكأ عصاه، كيف للمنطمة ان تصمت عن هكذا مواقف، قال لي: سنجيب في الوقت الملائم، وبالفعل ابرقوا بعدها بأيام بيانا ينددون فيه ذلك.
ولعل خرجته من زيارة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي للجزائر سبقها الفقيد ببيان، يطالب فيه فرنسا، الاعتراف بجرائمها في الجزائر، قائلا “ لا نريد صداقة دون تقديم اي اعتذار “ وفتح باب النقاش حول المحارق المهولة في الجزائر التي قال بشأنها إنها لا تسقط بالتقادم، كان عبادو صريحا بعد  تصريح ساركوزي في خطاب رسمي “ ’’لم آت للجزائر لتقديم أي اعتذار لأنني لا أقبل أن أتسبب في جرح مشاعر الفرنسيين ولم يصدر اي موقف رسمي من الجزائر ساعتها،  ماعدا بيان المنظمة الذي ساند رفيق السلاح ممثلا في وزير المجاهدين محمد شريف عباس الذي امتنع عن استقبال ضيف الجزائر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024