حرية الإعلام لا تتجزأ، وتتعدى الإطار السياسي، لتشمل أيضا وبنفس الأهمية وربما أكثر في ظل العولمة، الجانبين الاقتصادي والاجتماعي في حياة الفرد والمجتمع. حقيقة يحتاج المتعامل والزبون والمستثمر لتدفق إعلامي لا ينقطع حتى يواكب التحولات في الوقت وبأقل كلفة. رغم محاولات انفتاح من جهات معنية عديدة يواجه الإعلام الاقتصادي محيطا يتسم بتعقيدات في التعامل معه وخاصة بانغلاق مصادر الخبر فيه، مما يقود حتما إلى صعوبة حقيقية في تكريس عنصر الشفافية حول المعاملات على مستوى مختلف مفاصل المنظومة الاقتصادية.
صحيح أن المعلومة مهما كان مجالها وبالخصوص الاقتصادية تكتسي طابعا مؤثرا في القرار أو رسم الخيارات، إلا أن انتهاج بعض الهيئات والمتعاملين والفاعلين في الساحة أسلوب التضييق عليها أو بتر أجزاء منها بداعي تأمين جوانب القرار لا يزال يعيق تجسيد سياسة إعلامية جوارية وفعالة من شأنها أن تخدم صاحب المؤسسة والمستهلك باعتباره أيضا طرفا في المعادلة.
الملاحظ على ممارسة الإعلام الاقتصادي بكل فروعه التجارية والمالية في الوضع الراهن تغليب طابع الأرقام والإحصائيات الجافة وأحيانا تكون متأخرة، مما يعيق المتعامل في رسم صورة واضحة حول المشهد في وقت يجيد منافسون استعمال هذه الورقة للفوز بصفقات أو التموقع جيدا في السوق.
لا يمكن الرهان على عناصر الدورة الاقتصادية فقط (سوق، عقار، تمويل) لانجاز أهداف النمو، إنما يجب إعادة صياغة توجه إعلامي هادف وشامل يضع المؤسسة في صلب المشهد الإعلامي، ضمن معايير الشفافية والتنافسية لتقيس ثقلها وتفرض تواجدها بعيدا عن أسلوب ترويج لا يخضع لمعايير الشفافية والدقة.
في هذا الإطار ينبغي أن تنخرط المؤسسة الجزائرية في ديناميكية التواصل مع محيطها وفقا لقواعد الدقة، بحيث يجب تجاوز النمط التقليدي القائم على تغليب عرض إحصائيات والترويج لمنتجات وخدمات وأحيانا لا تصمد أمام الواقع، واعتماد بدله مسار حديث فيه جرأة تضع المؤسسة تحت أضواء التحليل الشامل وقبول قراءات مخالفة لتلك التي لها طابع رسمي.
يبقى التحدي الأول والأخير لتأسيس إعلام ناجع أن تنخرط مكونات المنظومة التي تتشكل من مؤسسات إنتاجية وهيئات إحصاء ومختلف المتدخلين في السوق في ديناميكية اتصال تفاعلي خاصة وان تكنولوجيات الاتصال الجديدة توفر الأدوات التي تضمن ترابطا وثيقا وآنيا، مما يسمح بتوفير معلومات دقيقة وموثوقة تضع مسير المؤسسة والمستثمر والمتعامل في كافة القطاعات في مركز قوي في مواجهة تقلبات الأسواق محليا وعالميا.
إن كبار الفاعلين في الساحة الاقتصادية وبالأخص القطاعات التي تنتج الثروة، الهيئات والدواوين المكلفة المتابعة والإحصاء، هم أول المعنيين بالمساهمة في تنمية الاتصال للبقاء في صدارة المشهد من خلال اعتماد لغة شفافة وقبول النقد شريطة أن تفتح مصادرها للمعلومات لوسائل الإعلام المحلية بوصفها طرفا يساهم في تحسين الجودة ومواكبة التغيرات لضمان الديمومة. وأي انكماش أو غياب عن المشهد يكلف فقدان نقاط ثمينة في سوق مفتوحة على صراع لا يتوقف لكسب مكانة ضمن الأوائل.