كلّما خطت الأزمة اللّيبية خطوة إلى الأمام، واعتقدنا بأنها اقتربت من الانفراج، إلاّ وعادت أدراجها خطوات إلى الوراء، لتزداد تعقيدا بفعل تعطّل العملية السياسية وتجدّد المواجهات المسلّحة وتدخّل الأطراف الخارجية، ما يثير مخاوف حقيقية من انزلاق الوضع إلى حرب سوف لن تكتفي بحرق ليبيا، بل سيمتد لهبها ليحرق المنطقة بأسرها.
تقترب الأزمة اللّيبية من إنهاء عامها السّابع دون أن تلوح في الأفق أيّ بوادر للحلّ، بل تزداد خيوطها تشابكا وتعقيدا لأسباب عديدة منها الداخلية الناتجة عن الانقسام السّياسي الذي أخذ شرخه يتوسّع بين الإخوة الفرقاء الذين نراهم يتصارعون على السّلطة، ويتسابقون لاقتسام المساحة اللّيبية إلى مناطق سيطرة ونفوذ، دون مبالاة بالمجموعات المسلّحة والتنظيمات الإرهابية التي تستغل الوضع للتّصعيد العسكري كما شهدناه في الصائفة الماضية بالعاصمة طرابلس ودون الإلتفات إلى ما يتكبّده اللّيبيون من معاناة وقهر.
العوامل الدّاخلية ليست وحدها ما يعيق جهود التسوية السّلمية في أرض شيخ الشهداء عمر المختار، لأن التدخّلات الخارجية غير البريئة، هي في اعتقادي مصيبة ليبيا الكبرى، فهي ما يُطيل أمد الأزمة، ويصعّدها كلّما لاحت في الأفق بارقة أمل للتسوية. ففي ظلّ انشغالات اللّيبيين بصراعاتهم، وسباقهم المحموم على السّلطة والزّعامة، هناك دول ترتّب لما بعد الأزمة، وتخطّط لتفصيل حلول تكون على مقاس مصالحها، وشغلها الشاغل حاليا هو كيف يمكنها الاستحواذ على أكبر قطعة من الكعكة الليبية.
ولن أفشي سرّا، لو قلت بأن الأزمة اللّيبية هي اليوم كالكرة تتقاذفها الأرجل لتقع اليوم في مرمى هذه الدولة وغدا في مرمى الدولة الأخرى والعالم على ما يبدو مستمتع بها يشاهد ولا يبالي بالعواقب.
دولتان على وجه الخصوص نراهما تتقاذفان الأزمة اللّيبية وتدّعيان بأن مفاتيح الحلّ بأيديهما، وكلّما وضعت إحداهما خطّة طريق للتسوية وقبلتها الأطراف اللّيبية والمجموعة الدولية، إلاّ وتدخّلت الأخرى لتعطيلها، مقترحة مبادرة جديدة ما يجعل الوضع يراوح مكانه.
الدّولتان هما إيطاليا وفرنسا فالأولى تنظر إلى ليبيا من الناحية الاستعمارية معتبرة إياها حديقتها الخلفية وتريد أن تحتكر الشأن اللّيبي، في حين تعود الثانية إلى التاريخ رغبة في إعادة سيطرتها على الجنوب الليبي بما يكتنزه من ثروات.
ومثلما رعت فرنسا مؤتمر باريس حول ليبيا في ماي الماضي، ها هي ايطاليا تحضّر لعقد اجتماع الشهر القادم في باليرمو.
التدخلات الخارجية كانت منذ البداية وراء تفجّر الأزمة اللّيبية وهي إلى الآن ما زالت تؤجّجها، لهذا على الأشقاء في ليبيا الالتفات إلى هذا الخطر الداهم، وأخذ زمام المبادرة لتولي حلّ معضلتهم بأنفسهم.