الجزائر.. دبلوماسية الاحتجاج والاستثناء

أمين بلعمري
08 أكتوير 2018

تعتبر الجزائر من الدول القلائل في المجتمع الدولي، التي تمارس ما يصطلح على تسميته في العلاقات السياسية الدولية بـ"دبلوماسية الاحتجاج"، الاحتجاج على الظلم وعلى الاهانة في العلاقات بين الدول، وهو نهج دبلوماسي لم يأت من فراغ وليس مجرد حالة عابرة ترتبط بحسابات ومعطيات ظرفيه، ولكنه نتيجة تراكمات تاريخية تعود جذورها إلى مبادىء ثورة نوفمبر المجيدة، التي كانت وستظل البوصلة التي توجه دبلوماسيتنا التي طالما ناضلت ولاتزال من أجل علاقات دولية تقوم على العدالة والتعاون في ظل الاحترام المتبادل واحترام مبادئ الأمم المتحدة والمواثيق الدولية.

قبل 40 سنة كانت الجزائر طالبت بنظام اقتصادي دولي جديد يراعي مصالح الجميع ويضع أسسا جديدة للتعاون شمال-جنوب بعيدا عن الاستغلال باعتباره القاعدة الجائرة التي كانت سائدة، والتي لم تكن تراعي سوى مصالح القوى الكبرى التي كانت تنظر إلى دول الجنوب على أنها مجرّد احتياطات للمواد الأولية، عليها التنازل عن مواردها بأبخس الأثمان لتعاود شرائها بأسعار مضاعفة، وقد لاقت تلك النظرة الجزائرية صداها لدى المجتمع الدولي، بل تم على ضوئها مراجعة الكثير من الاتفاقيات والتعاملات.

إن كانت هذه من المحطات الهامة للدبلوماسية، فإن معاركها على الصعيد السياسي لا تعد ولا تحصى ولابأس أن نذكر هنا بالدور المحوري الذي لعبته الجزائر في تفكيك نظام "الأبارتايد" والقضاء عليه في جنوب إفريقيا والمساهمة في تصفية الاستعمار من القارة الإفريقية، وهي معركة متواصلة حتى تصفية آخر استعمار من الصحراء الغربية، أما القضية الفلسطينية فكانت مسجلة ولاتزال على رأس القائمة في دبلوماسيتنا، وقد كان للجزائر شرف إدخال هذه القضية إلى أروقة الأمم المتحدة بفضل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي ترأس حينها دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أما ما لعبته الدبلوماسية الجزائرية في إطار تعزيز السلم والأمن الدوليين، فإنه دور شهد به الخصوم قبل الأصدقاء، حيث إن تاريخها حافل بالوساطات وجهود حل النزاعات والأزمات انطلاقا من اتفاق الجزائر بين العراق وإيران، وصولا إلى اتفاق الجزائر الذي أنهى الأزمة متعددة الأوجه في الجارة مالي، وبين هذا وذاك لعبت دبلوماسيتنا أدورا رائعة في إيجاد مخارج سعيدة للكثير من الأزمات، مثل أزمة رهائن السفارة الأمريكية في طهران، الاتفاق بين اريتريا وأثيوبيا الذي يشكل خارطة طريق التقارب الحالي بينهما، ولم يكن اعتماد يوم عالمي للعيش معا بسلام من قبل الأمم المتحدة، إلا عرفان واعتراف بدور الجزائر في العمل على تعزيز السلم والأمن الدوليين.

الأكيد أن السمة الأبرز للدبلوماسية الجزائرية هي أنها تشكل الاستثناء دائما ولابأس أن نذكّر بموقف الجزائر الحكيم والمستشرف لمآلات الأمور لما سمي بـ"الربيع العربي"، حيث أنه وبينما هلل له الجميع حذّرت الجزائر من كون هذا "الربيع" مجرد هدية مسمومة، يجب التعامل معها بحذر وعدم التسرع، لهذا لم يرق هذا الموقف للكثيرين خاصة لمهندسي وعرّابي ذلك الربيع المشؤوم والذين عضّو الأنامل غيضا وهم يشاهدون الجزائر تخرج سالمة من تلك المؤامرة، التي أدخلت بعض الدول العربية في حالة فوضى مزمنة لم تتعاف منها إلى اليوم؟.

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024