إنه التجمع الأكبر في العالم يروج لشراكة إستراتيجية بين مجموعتين تتقاسمان نفس الطموح والتطلع وتواجهان تحديات الظرف الصعب المنقلب ورهانات محيط جيو سياسي مضطرب، تخترقه الأزمات طولا وعرضا وتعيق مساره نحو الأفضل صراعات قوى خارجية غربية توظف ما في المقدرة من أجل مراجعة خارطة تشكيل العالم السياسي وضبط حدوده حسب ما تفرضه مصلحتها وما تتطلبه حسابات النفوذ وما تمليه الرؤى.
إنه التجمع الذي تحتضنه بكين يومي الاثنين والثلاثاء لرسم معالم علاقات سياسية جديدة بين الصين وإفريقيا تأخذ في الأعتبار المصالح المتقاسمة والشراكة الإستراتيجية التي تفرض نفسها لتأمين الذات وصيانة القرار السياسي المستقل والسيادة الوطنية التي انتزعت بالدم والدمع من مستعمر الأمس لم يهضم الاستقلال وعاد بمخططات غايته محاولة بسط النفوذ واختراق الوحدات السياسية في عالم الجنوب المنتمي إليه بلد العملاق الأسيوي والقارة السمراء.
إنه التجمع الذي تمثله القمة الثالثة للتعاون الصيني الإفريقي التي وإن تنعقد في ظروف استثنائية، فهي تحمل نفس الأهداف والغايات المحددة في أول منتدى عام ٢٠٠٦، وهي أهداف ساهمت في تكريسها الجزائر الوفية لمبادىء سياستها الخارجية السائرة دوما على نهج نوفمبر في إقامة علاقات متعددة الأوجه والأطراف مع مختلف مجموعات المعمورة، ومجموعة الصين إفريقيا إحدى واجهاتها الكبرى.
فقد رافعت الجزائر عبر القمم المتلاحقة من أجل تعزيز الحوار جنوب ـ جنوب بعد تعثر الحوار شمال ـ جنوب في قمة كانكون المكسيكية في ثمانينيات القرن الماضي وبروز حسابات أمم الغرب لا تخدم بتاتا الشراكة المتوازنة المبنية على قاعدة تقاسم الأرباح والأتعاب، وتمادي هذه العواصم في السير على الصورة النمطية المرسخة في أذهانها، متمسكة بكيليشهات تغالط الرأي العام وتنقل مشهد لواقع مقلوب بترديد العبارة المشوهة لحقائق الأشياء ومنطق التطور والتقدم الذي تعرفه الجنوب «كل ليس على ما يرام».
إنها صورة تلمس في كل تجمع وقمم دولية تحضرها أمم الشمال، تحاول من خلالها فرض املاءات وتعليمات ووصفات دون وضع في الحسبان السيادة الوطنية للأمم الجنوب التي انتزعت بنضال بطولي وتضحيات جسام.
عكس هذا التوجه فرض منتدى التعاون الصيني الافريقي نفسه بديلا، فكان محطة مفصلية لشراكة مبنية على الثقة المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وصداقة ضاربة في أعماق التاريخ، تعززت عبر الزمن وظلت صامدة في وجه التحديات، مراهنة على استغلال القدرات المتاحة والإمكانيات المتوفرة يستدعيها الاستقلال الاقتصادي غير قابل للمساس والمساومة.
إنها الشراكة التي تعد مبادرة «طريق الحرير» بوصلتها والمدرجة في إطار أجندة الإتحاد الإفريقي التي كان للجزائر الدور الحاسم في اقرارها باعتبارها الأمل والرهان.